biograpi ibnu sina dalam bahasa arab

الكتاب : عيون الحكمة

المؤلف : ابن سينا

الصفحة : 1

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا وصلى الله على محمد وآله. هذا كتاب يشتمل على ثلاثة أقسام: منطقى وطبيعى وإلهى. المنطقيات كل لفظ لا تريد أن تدل بجزء منه على جزء من معناه فهو مفرد كقولك: إنسان فانك لا تدل بأجزائه فيه على شئ. وكل لفظ تريد أن تدل بجزء منه على جزء من معناه فهو مركب كقولك: رامى الحجارة فانك تدل برامي على شيء وبالحجارة على شيء آخر. سواء كانت كثيرة فى التوهم أو فى الوجود. وكل لفظ لا يمكن أن تدل به بمعناه الواحد على كثيرين يشتركون فيه فهو جزئى كقولك: زيد. الكلى الذاتى هو الذى توصف به ذات الشئ فى ذاته كما توصف النار بالحرارة واليبوسة اللتين فى ذاتها. والكلى العرضى هو الذى توصف به ذات الشئ بعد ذاته كالسواد والبياض فى الإنسان. المقول فى جواب أى ما هو: هو الكلى الذاتى الذى يميز شيئا عما يشاركه فى ذاتى له. المقول فى جواب ما هو بالشركة: ما يكون دالاً على كمال حقيقة أشياء يسأل عنها معاً ولا يكون كذلك لأفرادها. الجنس: هو المقول على كثيرين مختلفى الحقائق فى جواب ما هو. الفصل: هو المقول على كلّى فى جواب أى ما هو. النوع: هو أخصّ كلّيين مقولين فى جواب ما هو. الخاصة: هى كلّية عرضية مقولة على نوع واحد. العرض العام: هو كلى عرضى يقال على أنواع كثيرة. فصل كل لفظ مفرد يدل على شيء من الموجودات فإمّا أن يدلّ على جوهر وهو ما ليس وجوده فى موصوف به قائم بنفسه مثل إنسان وخشبة وإما أن يدل على كمية: وهو ما لذاته يحتمل المساواة بالتطبيق أو التفاوت فيه إما تطبيقاً

الصفحة : 2

متصلاً فى الوهم - مثل الخط والسطح والعمق والزمان وإما منفصلاً كالعدد - وإما على كيفية وهو كل هيئة غير الكمية مستقرة لا نسبة فيها مثل البياض والصحة والقوة والشكل: - وإما على إما تطبيقاً متصلاً فى الوهم - مثل الخط والسطح والعمق والزمان وإما منفصلاً كالعدد - وإما على كيفية وهو كل هيئة غير الكمية مستقرة لا نسبة فيها مثل البياض والصحة والقوة والشكل - وإما على إضافة كالبنوة والأبوة - وإما على أين كالكون فى السوق والبيت - وإما على متى كالكون فيما مضى أو فيما يستقبل أو فى زمان بعينه - وإما على الوضع ككل هيئة للكلّ من جهة أجزائه كالقعود والقيام والركوع - وإما على المِلك والجِدَة كالتلبُّس والتسُّلح - وإما على أن يفعل شئ مثل ما يقال: هو ذا يَقطَعُ هو ذا يُحرِق - وإما أن ينفعل شىءٌ كما يقال: هو ذا ينقطع هو ذا يحترق. فهذه هى المقولات العشر. فصل اللفظ الذى يقع على أشياء كثيرة إما أن يقع بمعنى واحد على السواء وقوع الحيوان على الإنسان والفَرسَ ويسمى متواطئاً - وإما أن يقع بمعانٍ متباينة وقوع العين على الدينار والبَصَر ويسمى مشتركاً - وإما أن يقع بمعنىً. الاسم: لفظ مفرد يدلّ على معنى دون زمانه المحّصل. الكلمة: وهى الفعل: لفظ مفرد يدلّ على معنى وعلى زمانه كقولنا: مَضَى. القول: كل لفظٍ مركب. والقول الجازم: ما احتمل أن يُصَدَّق به أو يكّذب به وهو القضيّة. والقضية الحملية: هى التى يحكم فيها بوجود شىء هو المحمول لشىء هو الموضوع أو بعدمه له: كقولنا: زيد كاتب زيد ليس بكاتب والأول يسمى إيجاباً والثانى يسمى سلباً. والقضية الشرطية المتصلة: هى التى يحكم فيها بتلو قضية تسمى تاليا لقضية أخرى تسمى مقدما أو لا تلوه. والأول هو الإيجاب كقولك: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود والثانى هو السلب: كقولك: ليس إذا كانت الشمس طالعة فالليل موجود. والشرطية المنفصلة هى التى يحكم فيها بتكافؤ القضيتين فى العناد أو سلب ذلك: مثال الأول: إما أن يكون هذا العدد زوجا وإما أن يكون فردا مثال الثانى: ليس إما أن يكون هذا زوجا

الصفحة : 3

وإما أن يكون فردا. والقضايا الحملية ثمان: شخصية موجبة كقولك: زيد كاتب وشخصية سالبة كقولك: زيد ليس بكاتب - والموضوع فيهما جميعا لفظ جزئى ومهملة موجبة كقولك: (إن الإنسان لفى خسر) ومهملة سالبة كقولك: الإنسان ليس فى خسر - والموضوع فى كليهما كلى وتقدير الحكم عليه مهمل ومحصورة كلية موجبة كقولك: كل إنسان حيوان ومحصورة كلية سالبة كقولك: ليس ولا واحد من الناس بحجر وجزئية موجبة كقولك: بعض الناس كاتب وجزئية سالبة كقولك: ليس كل إنسان بكاتب وبعض الناس ليس بكاتب - فان كلتيهما تسلبان عن البعض ويجوز أن يكون فى البعض إيجاب. والنقيضتان فى الشخصيات هما قضيتان مختلفتان بالإيجاب والسلب بعد الاتفاق فى معنى الموضوع والمحمول والشرط والإضافة والجزء والكل - إن كان هناك جزء وكل - والفعل والقوة والزمان والمكان - وفى المحصورات أن تكون هذه الشرائط موجودة ثم أحدهما كلى والآخر جزئى. جهات القضايا ثلاثة: الواجب والممكن والممتنع: الواجب كقولك: الإنسان حيوان والممتنع كقولك: الإنسان حجر والممكن كقولك: الإنسان كاتب. العكس: يصير الموضوع محمولا والمحمول موضوعا مع بقاء الإيجاب والسلب والصدق على حاله. - الكلية السالبة تنعكس مثل نفسها: فإنه إذا لم يكن شىء من كذا ذاك فلا شىء من ذاك كذا: فانه إذا لم يكن أحد من الناس حجرا فلا يكون أحد من الحجارة إنسانا. فأما الكلية الموجبة والجزئية الموجبة فلا يجب أن تنعكسا كليتين: فإنه ليس إذا كان كل إنسان حيوانا أو بعض المتحركين أسود يجب من ذلك أن يكون كل حيوان إنسانا أو كل أسود متحركا - ولكن يجب أن تنعكس جزئية: فإنه إذا كان كل كذا أو بعض كذا ذاك فبعض ذاك الذى هو كذا هو كذا. - والجزئية السالبة لا تنعكس: إذ ليس إذا لم يكن كل حيوان إنسانا يجب أن لا يكون كل إنسان حيوانا.

الصفحة : 4

القياس القياس مؤلف من أقوال إذا سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر - مثال ذلك أنك إذا سلمت أن كل جسم مؤلف وكل مؤلف محدث - لزم من ذلك أن كل جسم محدث. والقياس منه اقترانى ومنه استثنائى. والاقترانيات فى الحمليات ثلاثة أشكال: شكل يكون فيه ما هو متكرر فى المقدمتين محمولا فى إحدى القضيتين موضوعا فى الثانى وهذا يسمى شكلا أولا أو يكون هذا المتكرر محمولا فيهما جميعا ويسمى الشكل الثانى أو موضوعا فيهما جميعا ويسمى الشكل الثالث. ومن شأن هذا الأوسط أن يجمع بين الطرفين بنتيجة ويخرج من البين فيصير أحد الطرفين موضوعا فى النتيجة ويسمى الحد الأصغر ومقدمته صغرى والآخر يصير محمولا فى النتيجة ويسمى حدا أكبر ومقدمته كبرى. الشكل الأول لا ينتج إلا أن تكون الصغرى موجبة والكبرى كلية وتكون العبرة فى الكيفية: أعنى الإيجاب والسلب وفى الجهة: أعنى الضرورة وغير الضرورة الكبرى. مثال الأول: كل ح ب وكل ب ا كيف كان - فكل ح ا كذلك. إلا أن تكون الصغرى ممكنة والكبرى مطلقة فالنتيجة ممكنة. وللثانى: كل ح ب ولا شىء مما هو ب ا كيف كان فلا شىء مما هو ح ا كذلك. والثالث: بعض ح ب وكل ب ا كيف كان فبعض ح ا كذلك. والرابع: بعض ح ب ولا شىء من ب ا فليس بعض ح ا. وما عدا هذا فليس تلزم عنه النتيجة. الشكل الثانى شريطته أن تكون الكبرى كلية ويختلفان بالإيجاب والسلب. فالضرب الأول منه قولك: كل ح ب ولا شىء من ا ب - ندعى أنه يلزم منه: لا شىء من ح ا. برهان ذلك: أنا نعكس الكبرى فتصير: لا شىء من ب ا ونرجع إلى الشكل وننتج ذلك. الضرب الثانى: لا شىء من ح ب وكل ا ب ينتج كذلك ويبين بعكس الصغرى فينتج: لا شىء من ا ح ثم ينعكس: فلا شىء من ح ا. - الضرب الثالث مثل قولك: بعض ح ب ولا شىء من ا ب ينتج: ليس بعض ح ا ويبين بعكس الكبرى. - والضرب الرابع مثل قولك: ليس كل ح ب وكل ا ب - ينتج: ليس كل ح ا ولا يبين ذلك بالعكس بل بالافتراض: ليكن البعض الذى هو ح وليس ب هو د فيكون: لا شىء من د ب وكل ا ب ينتج: لا شىء من د ا ود بعض ح فيكون كل ح

الصفحة : 5

ا. والعبرة فى الجهة للسالبة لأن السالبة ترجع كبرى فى الشكل الأول بعكس أو افتراض. وكانت العبرة فى الجهة فى الشكل الأولى للكبرى. والحق أنه إذا اختلط ضرورى وغير ضرورى فالنتيجة ضرورية. الشكل الثالث شريطته أن تكون الصغرى موجبة ولا بد من كلية. - الضرب الأول منه: كل ب ح وكل ب ا ينتج: بعض ح ا - ويرجع إلى الأول بعكس الصغرى. والضرب الثانى: كل ب ح ولا شىء من ب ا فلا كل ح ا - ويرجع إلى الأول بعكس الصغرى. والضرب الثالث: بعض ب ح وكل ب ا ينتج: بعض ح ا - ويبين بعكس الصغرى. الضرب الرابع: كل ب ح وبعض ب ا ينتج: بعض ح ا ويبين بعكس الكبرى ثم عكس النتيجة أو بالافتراض: بأن نفرض الشىء الذى هو بعض ب ا هو د ويكون كل د ا فإذا قلنا: كل د ب وكل ب ح ينتج: كل د ح. ثم إذا قلنا: كل د ح وكل د ا ينتج: ح ا. - الضرب الخامس: كل ب ح وليس كل ب ا ينتج: ليس كل ح ا ولا يبين بالعكس بل بالافتراض. - الضرب السادس: بعض ب ح ولا شىء من ب ا فليس بعض ح ا يتبين بعكس الصغرى. والعبرة فى الجهة الكبرى فانها تصير كبرى فى الأول بعكس أو افتراض اللهم إلا أن تكون الصغرى ممكنة والكبرى مطلقة. واعلم أنه قد يقترن من الشرطيات المتصلة قرائن على نمط هذه الأشكال. فاجعل بدل الموضوع: مقدما وبدل المحمول: تاليا. فان كان المقدم فى أحدهما تاليا فى الآخر فهو الشكل الأول. وإن كان تاليا فى كليهما فهو الشكل الثانى. وإن كان مقدما فى كليهما فهو الشكل الثالث. والشرطية التى (3 ب) تتألف من المقدم والتالى الطرفين هى النتيجة. والشرائط تلك الشرائط. والكلية الموجبة فى المتصلات كقولنا: كلما كان ا ب فيكون ح ء. والكلية السالبة فيها كقولنا: ليس ألبتة إذا كان ا ب فيكون ح ء والجزئية الموجبة كقولك: قد يكون إذا كان ا ب ف ح ء والجزئية السالبة كقولك: قد لا يكون إذا كان ا ب ف ح ء أو ليس كلما كان ا ب ف ح ء. مثال الضرب الأول من الشكل الأول: كلما كان ا ب ف ح ء وكلما كان ح ء ف ه ز - ينتج: كلما كان ا ب ف ه ز. - ومثال الضرب الأول من الشكل الثانى: كلما كان ا ب ف ح ء وليس ألبتة إذا كان ه ز ف ح ء - ينتج: ليس ألبتة إذا كان ا ب ف ه ز - ويبين كذلك بالعكس. ومثال الضرب الأول من الشكل الثالث: كلما كان ح ف ا ب وكلما كان ح ء ف ه ز - ينتج: قد يكون إذا كان ا ب ف ه ز - ويبين بالعكس. - ثم عليك سائر التراكيب وامتحانها

الصفحة : 6

والافتراض فيها كقولك: ليس كلما كان ح ء ف ه ز وكلما كان ا ب ف ه ز - نقول ينتج: ليس كلما كان ح ء ف ا ب - برهان ذلك: إما نفس الوضع الذى يكون فيه ح ء ولا يكون فيه ه ز وذلك عندما يكون ح ط فيكون: ليس ألبتة إذا كان ح ط ف ه ز وكلما كان ا ب ف ه ز فليس ألبتة إذا كان ح ط ف ا ب. ثم نقول: قد يكون إذا كان ح ء ف ح ط وليس ألبتة إذا كان ح ط ف ا ب - ينتج: ليس كلما كان ح ء ف ا ب. فصل القياسات الاستثنائية إما أن تكون من المتصلات وإما أن لا تكون من المتصلات فالذى من المتصلة فاما أن يكون الاستثناء بعين المقدم فينتج عين التالى: كقولك: إن كان هذا إنسانا فهو حيوان لكنه إنسان فهو حيوان ولا ينتج استثناء نقيض المقدم كقولك: لكنه ليس بانسان فلا يلزم منه أنه حيوان أو ليس بحيوان. فإن كان الاستثناء من التالى فإن استثنيت نقيض التالى أنتج نقيض المقدم كقولك: ولكن ليس بحيوان فينتج: فليس بانسان. وأما إذا استثنيت عين التالى لم يلزم أن ينتج شيئا كقولك: لكنه حيوان فليس (4 ا) يلزم أنه إنسان أو وأما من الشرطيات المنفصلة فإذا استثنيت عين واحد منها أنتج نقيض البواقى بحالها منفصلة إن كانت كثيرة أو نقيض الباقية بحالها. مثال الأول: هذا العدد إما زائد وإما ناقص وإما مساو. فان استثنيت أنه ناقض أنتج: فليس بزائد ولا مساو أو ليس إما زائدا وإما مساويا. مثال الثانى: هذا العدد إما أن يكون زوجا وإما فردا لكنه فرد فليس بزوج. وأما إذا استثنيت نقيض واحد منها أنتج عين البواقى بحالها أو عين الواحد الباقى بحاله - مثاله: لكنه ليس بزائد فهو إما ناقص وإما مساو. وأيضا: لكنه ليس بفرد فهو زوج. وأما إن كانت المنفصلات غير حقيقية - وهى التى نكون من موجبات وسوالب أو سوالب كلها فلا ينتج إلا استثناء النقيض - مثاله: إما أن يكون عبد الله فى البحر وإما أن لا يغرق لكنه يغرق فهو فى البحر لكنه ليس فى البحر فهو لا يغرق. وإذا قلت: لكنه فى البحر أو لا يغرق - ليس يلزم منه شىء. وكذلك: إما أن لا يكون زيد حيوانا وإما أن لا يكون زيد نباتا لكنه حيوان فليس بنبات فليس بحيوان. ولا يلزم من قولك إنه ليس بحيوان أو ليس بنبات شىء. - والمنفصلة الحقيقية هى التى يدخلها لفظة: (لا يخلو).

الصفحة : 7

فصل هو أن يأخذ نقيض المطلوب ويضيف إليه مقدمة صادقة على صورة قياس منتج فينتج شيئا ظاهر الإحالة فيعلم أن سبب تلك الإحالة ليس تأليف القياس ولا المقدمة الصادقة بل سببها إحالة نقيض المطلوب - فإذن هو محال فنقيضها حق. فإن شئت أخذت نقيض المحال وأضفت إلى الحقة فينتج المطلوب على الاستقامة. الاستقرار: هو أن تنتج حكما على كلى لوجوده فى جزئياته كلها أو بعضها كما تحكم أن كل حيوان يحرك عند المضغ فكه الأسفل. - وهذا لا يوثق به: فربما كان الحيوان مخالفا لما رأيت كالتمساح. التمثيل: هو الحكم على غائب بما هو موجود فى مثال الشاهد. وربما اختلف. وأوثقه ما يكون المماثل به (4 ب) أو المشترك فيه علة للحكم فى الشاهد - وليس بوثيق: فربما كان علة الحكم فى الشاهد لأجل ما هو شاهد وربما كان المشترك معنى كليا ينقسم إلى جزئين فتكون العلة أحد الجزئين ولم يدخل التفصيل فى القسمة المؤدية إلى العلة. فان لم يكن هذان المانعان وصح أن الحكم لعلة انقلب التمثيل برهانا. الضمير: قياس تذكر فيه صغراه فقط كقولهم: فلان يطوف ليلا فهو إذن مختلط - وحذفت الكبرى إما للاستغناء به أو للمغالطة.

الصفحة : 8

المقدمات التى منها تؤلف البراهين هى المحسوسات كقولنا: الشمس مضيئة. والمجربات كقولنا: الشمس تشرق وتغرب والسقمونيا تسهل الصفراء والأوليات كقولنا: الكل أعظم من الجزء والأشياء المساوية لشىء واحد متساوية. والتوترات كقولنا: إن مكة موجودة. وأحق البراهين باسم البرهان ما كان الحد الأوسط سببا لوجود الأكبر والأصغر كقولنا: هذه الخشبة تعلق بها النار وكل ما تعلق به النار. فهذه الخشبة احترقت. والذى بعكس هذا يسمى دليلا. البرهان فى العلوم إنما يتألف من مقدمات ذاتية المحمولات. فى محمولها أمور مقومة لموضوعاتها كالحيوان للإنسان أو خاصة لها أو لجنسها من كالاستقامة للخط والمساواة له. - والكبريات فى البراهين أكثرها من الأمور الذاتية بمعنى الثانى. لكل علم برهانى شىء هو موضوعه: كالمقدار للهندسة ومبادىء له مقدمات أو حدود وما كان من المبادىء غير بين بنفسه يبين فى علم آخر. - مثل هى المطلوبات وربما صارت المطلوبات مقدمات لمطلوبات أخرى. المطلب ب (هل) يتعرف حال الوجود أو العدم. المطلب ب (ما) يتعرف حال شرح الاسم. فإن كان الشىء موجودا فيطلب بالحقيقة حده أو رسمه والحد من أجناس وفصول والرسم من أجناس وخواص. والمطلب ب (الكيف) يطلب حاله وب (الأى) خاصيته التى يتميز بها وب (لم) علته. والقياسات الجدلية مقدماتها هى الأمور المشهورة التى يراها الجمهور وأرباب الصنائع فربما كانت أولية وربما كانت غير أولية (5 ا) تحتاج أن تبين. وربما لم تكن صادقة وإنما تدخل فى الجدل لا من حيث هى صادقة أو كاذبة وأولية وغير أولية بل من حيث هى مشهورة كقولهم: الكذب قبيح. فأما السائل من الجدليين فله أن يستعمل المقدمات المسلمة من المجيب وإن لم تكن مشهورة. والمشهورات التى ليست بأولية ولم يقم عليها برهان من جملة الصادقة فيها فانما تصير عند الجمهور كالأوليات بسبب التمرن والاعتياد حتى لو توهم الإنسان نفسه خلق فى الخلقة الأولى عاقلا وشكك نفسه فيها أمكنه أن يشك ولا يشك فى الأوليات. القياسات المغالطية: مقدماتها مقدمات مشبهة وقياساتها قياسات مشبهة والمقدمات المشبهة

الصفحة : 9

هى التى تشبه الحق لأجل مشاركة فى الاسم أو مشاركة فى صفة من الصفات العامة أو لإغفال شرط من القوة والفعل والزمان والإضافة والمكان وما ذكرناه فى شرائط النقيض التى بها يتميز الحق من الشبيه. وربما كانت وهمية وهى أحكام الوهم فى أمور معقولة على نحو أحكامها فى المحسوسة فيكاد تشبيه الأوليات كحكم من حكم أنه لا وجود لشىء ليس فى داخل العالم ولا فى خارجه. وأما القياسات المشبهة فهى التى تفقد الشرائط المذكورة فى المنتجات. والتحرز من ذلك بأن يخطر حدود القياس مرتبة مفردة معانى الألفاظ ويجتهد فى أن لا يقع الأوسط فى إحدى المقدمتين إلا نحو وقوعه فى الأخرى والأكبر ولأصغر فى القياس إلا نحو وقوعها فى النتيجة فى المعنى وفى الشرائط وفى الاعتبارات كلها بلا اختلاف ألبتة وأن يحذر المهمل ولا يستعمله أصلا. فصل القياسات الخطابية تكون مؤلفة من مقدمات مقبولة أو مظنونة أو مشهورة فى أول ما يسمع غير حقيقية - مثال المقبولة أن يقال: هذا نبيذ مطبوخ والنبيذ المطبوخ يحل شربه فهذا يحل شربه - والكبرى مقبولة ليست بينة ولا مشهورة إنما هى مقبولة من أبى حنيفة. - وأما المظنونة فكما يقال: فلان يطوف بالليل ومن يطوف بالليل فهو سارق. - ومثال المشهورة فى بادىء الرأى قولك: فلان أخوك الظالم والأخ الظالم ينبغى أن ينصر وإن كان ظالما - فإن هذا أول ما يسمع يظن (5 ب) أنه مشهور لكنه بالحقيقة ليس مشهور بل المشهور: الظالم لا ينصر وإن كان أخا. ومنفعة القياسات الخطابية فى الأمور المدنية من المنع والتحريض والشكاية والاعتذار والمدح والذم وتكبير الأمور وتصغيرها. فصل القياسات الشعرية من مقدمات مخيلة وإن كانت مع تلك لا يصدق بها لكنها تبسط الطبع نحو أمر وتقبضه عنه مع العلم بكونها كاذبة كمن يقول: لا تأكل هذا العسل فانه مرة مقيئة والمرة المقيئة لا تؤكل فيهم الطبع أنه حق مع معرفة الذهن بأنه كاذب فيتقزز عنه. وكذلك ما يقال بأن هذا أسد وهذا بدر فيحس به شىء فى العين مع العلم بكذب القول.

الصفحة : 10

ومنافع القياسات الشعرية قريبة من منافع القياسات الخطابية فإنها إنما يستعان بها فى الجزئيات من الأمور دون الكليات والعلوم. فهذا آخر المنطقيات من عيون الحكمة وصلى الله على المصطفين من عباده عموما وخصوصا فصل كل محمول ننسبه على موضوع فاما جنس كقولك: الإنسان حيوان وإما فصل كقولك: الإنسان ناطق وإما فصل الجنس كقولك: الإنسان حساس وإما جنس الفصل كقولك: الإنسان حساس وإما جنس الفصل كقولك: الإنسان مدرك وإما جنس الجنس كقولك: الإنسان جسم وإما فصل الفصل كقولك: الإنسان مميز - وقد يمكن أن يركب تركيبا ثالثا - وإما عرض خاص كقولك: الإنسان ضحاك هذا العرض من جملة ما يسمى فى كتاب البرهان عرضا ذاتيا وإما خاصة الجنس كقولك: الإنسان متحرك بالإرادة وإما خاصة الفصل وهى بعينها خاصة الشىء إن كان الفصل مساويا وليست بخاصية إن كان الفصل أعم - مثاله: الإنسان متحيف. ومن هذا الباب خاصة فصل الجنس. - وإما عرض عام ويدخل فيه خاصة الجنس وعرض الجنس وخاصة الجنس وخاصة الفصل الذى هو أعم. فجميع ذلك عرض عام وما سوى ذلك فهو كواذب لا تحمل الشىء. وجميع ذلك إما بالحقيقة وإما بأغلب الظن. المحمولات فى البراهين الأجناس وفصولها والفصول وأجناسها وفصولها والأعراض الخاصة ولا يدخل فيها الأعراض العامة التى تكون عارضة أولا لجنس موضوع علم الشىء ويدخل فيه علم الأعراض العامة. وإذا كانت تعرض للشىء من غير أن تعرضه لجنسه أولا وبالعموم وأعنى بالشىء لا موضوع المسألة بل موضوع الصناعة كالمقدار للهندسة. وإنما يدخل فى البراهين ما كان من ذلك حقا فى نفسه لا ما يكون مشهورا. فالأمور الداخلة فى البراهين هى المقدمات للموضوعات وللأمور التى تعرض بموضوع الصناعة لا تسلب معنى أعم منه إذ كان تقويمه أو عروضه بالحقيقة لا بحسب الشهرة وأغلب الظن. تم المنطق من عيون الحكمة

الصفحة : 11

الطبيعيات بسم الله الرحمن الرحيم الفصل الأول الحكمة وأقسامها الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر والحكمة المتعلقة بالأمور النظرية التى إلينا أن نعلمها وليس إلينا أن نعملها تسمى حكمة نظرية. والحكمة المتعلقة بالأمور العملية التى إلينا أن نعلمها ونعملها تسمى حكمة عملية. وكل واحدة من الحكمتين تنحصر فى أقسام ثلاثة: فأقسام الحكمة العملية: حكمة مدنية وحكمة منزلية وحكمة خلقية. ومبدأ هذه الثلاثة مستفاد من جهة الشريعة الإلهية وكمالات حدودها تستبين بالشريعة الإلهية وتتصرف فيها بعد ذلك القوة النظرية من البشر بمعرفة القوانين العملية منهم وباستعمال تلك القوانين فى الجزئيات. والحكمة المدنية فائدتها أن تعلم كيفية المشاركة التى تقع فيها بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان. والحكمة المنزلية فائدتها أن تعلم المشاركة التى ينبغى أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم به المصلحة المنزلية. والمشاركة المنزلية تتم بين زوج وزوجته ووالد ومولود ومالك وعبد. وأما الحكمة الخلقية (6 ا) ففائدتها أن تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكو بها النفس وتعلم الرذائل وكيفية توقيها لتتطهر عنها النفس. وأما الحكمة النظرية فأقسامها ثلاثة: حكمة تتعلق بما فى الحركة والتغير وتسمى حكمة طبيعية وحكمة تتعلق بما من شأنه أن يجرده الذهن عن التغير وإن كان وجوده مخالطا للتغير ويسمى حكمة رياضية وحكمة تتعلق بما وجوده مستغن عن مخالطة التغير فلا يخالطه أصلا وإن خالطه فبالعرض لا أن ذاته مفتقرة فى تحقيق الوجود إليه وهى الفلسفة الأولية والفلسفة الإلهية جزء منها وهى معرفة الربوبية. ومبادىء هذه الأقسام التى للفلسفة النظرية مستفادة من أرباب الملة الإلهية على سبيل التنبيه ومتصرف على تحصيلها بالكمال والقوة العقلية على سبيل الحجة. ومن أوتى استكمال نفسه بهاتين الحكمتين والعمل على ذلك باحداهما فقد أوتى خيرا كثيرا. الفصل الثانى

الصفحة : 12

فى المصادرات التى يجب تقديمها على العلم الطبيعي كل واحد من العلوم الجزئية - وهى المتعلقة ببعض الأمور والموجودات - يقتصر المتعلم فيه أن يسلم أصولا ومبادىء تتبرهن فى غير علمه وتكون فى علمه مستعملة على سبيل الأصول الموضوعة. والطبيعى علم جزئى فله أصول موضوعة فنعدها عدا ونبرهن عليها فى الحكمة الأولى فنقول: إن كل جسم طبيعى فهو متقوم الذات من جزئين: أحدهما يقوم فيه مقام الخشب من السرير ويقال له هيولى ومادة والآخر يقوم مقام صورة السرير من السرير ويسمى صورة. وكل جسم حادث أو متغير فيفتقر من حيث هو كذلك إلى عدم سبقه لولاه لكان أزلى الوجود. وكل جسم يتحرك فحركته إما من سبب خارج وتسمى حركة قسرية وإما من سبب فى نفس الجسم إذ الجسم لا يتحرك بذاته وذلك السبب إن كان محركا على جهة واحدة على سبيل التسخير فيسمى طبيعة. وإن كان محركا حركات شتى بارادة أو غير إرادة أو محركا حركة واحدة بارادة فيسمى نفسا. أسباب الأشياء أربعة: مبدأ الحركة مثل البناء للبيت المادة مثل الخشب والطين للبيت والصورة مثل هيئة البيت للبيت الغاية مثل الاستكنان للبيت. وكل واحد من ذلك إما قريب وإما بعيد إما عام وإما خاص إما بالقوة وإما بالفعل (6 ب) إما بالحقيقة وإما بالعرض. الطبيعة سبب على أنه مبدأ لحركة ما هى فيه ومبدأ لسكونه بالذات لا بالعرض. الحركة كمال أول لما بالقوة من حيث هو بالقوة: وهو كون الشىء عل حال لم يكن قبله ولا بعده يكون فيه سواء كان تلك الحال أينا أو كيفا أو كما أو وضعا كالشىء يكون على وضع فى مكان لم يكن قبله ولا بعده فيه ولا تفارق كليته مكانه. الحركة التى من كم إلى كم تسمى حركة نمو أو تخلخل إن كان إلى الزيادة وتسمى حركة ذبول أو تكاثف إن كان إلى النقصان. التخلخل الحقيقى أن يصير للمادة حجم أعظم من غير زيادة شىء الحركة من كيف إلى كيف تسمى استحالة مثل الاسوداد والابيضاض. الحركة التى تكون من أين إلى أين تسمى نقلة. الحركة التى من وضع إلى وضع - والجسم فى مكانه الواحد - مثل الاستدارة على نفسه. كل حركة تصدر عن محرك فى متحرك فهى بالقياس إلى ما فيه: تحرك وبالقياس إلى ما عنه:

الصفحة : 13

تحريك. كل محرك فإما أن يكون قوة فى جسم وإما أن يكون شيئا خارجا ويحرك بحركته فى نفسه مثل الذى يحرك بالمماسة. وينهى المحركون والمتحركون فى كل نرتيب إلى محرك غير متحرك لاستحالة توالى أجسام متحركة يحرك بعضها لبعض إلى مالا نهاية له. الفصل الثالث فى تناهى الأبعاد لا يجوز أن يكون جسم من الأجسام ولا بعد من الأبعاد لا خلاء ولا ملاء. ولا عدد يترتب فى الطبع موجودا بالفعل بلا نهاية وذلك لأن كل غير متناه فيمكن أن يفرض فى داخله حد ويفرض أبعد منه فى بعض الجهات حد آخر فإذا توهمنا بعدا يصل بين الحدين مجتازا إلى غير النهاية لم يخل: إما أن يكون ما يبتدىء من الحد الثانى لو أطبق فى الوهم على ما يبتدىء من الحد الأول لحاذاه أو ساواه ولم يفضل أحدهما على الآخر أو فضل. وكل ما لو أطبق على شىء ولم يفضل عليه فليس بأنقص ولا أزيد منه: وكل ما هو مساو لما بعد عن الحد الثانى فهو أنقص مما هو مساو لما بعد عن الحد الأول فيكون ما هو مساو أنقص - وهذا خلف فان فصل (7 ا) فهو مساو والفصل متناه فالجملة متناهية. فإذن لا يمكن أن يفرض بعد غير متناه فى خلاء أو فى ملاء. وكذلك يبين حال ترتيب الأعداد التى لها ترتيب فى الطبع بل الأمور التى لا نهاية لها هى فى العدم ولها قوة وجود وكل ما يحصل منها فى الوجود يكون متناهيا. لو كان بعد غير متناه خلاء أو ملاء لكان لا يمكن أن تكون حركة مستديرة. فإنه إذا أخرجنا عن مركزها خطا إلى المحيط بحيث لو أخرج فى جهة قاطع خطا مفروضا فى البعد غير المتناهى على نقطة: فإنه إذا دار زالت تلك النقطة عن محاذاة المقاطعة إلى المباينة إذا صارت فى جهة أخرى فيصير بعد أن كان المركز مسامتا بها شيئا من ذلك الخط غير مسامت لشىء منه ثم يعود مسامتا فلا بد من أول نقطة تسامت فى ذلك الخط وآخر نقطة تسامت عليها. لكن أى نقطة فرضناها على خط غير متناه فإنا نجد خارجا عنها نقطة أخرى يمكن أن نصلها بالمركز فيكون القطع الحاصل إذا بلغه النقطة صار مسامتا قبل أول ما سامت أو بعد آخر ما سامت - هذا خلف. لكن الحركات المستديرة ظاهرة الوجود فالأبعاد الغير المتناهية ممتنعة الوجود. فاذا كانت الأبعاد محدودة والجهات محدودة فالعالم متناه فليس للعالم خارج. فاذا لم يكن له خارج لم يكن له

الصفحة : 14

شىء من خارج. والبارى تعالى والروحانيون من الملائكة وجودهم عال عن المكان وعن أن يكونوا فى داخل أو خارج. الفصل الرابع الجهة كل جهة فهى نهاية غاية ويستحيل أن تذهب الجهة فى غير النهاية إذ لا بعد غير متناه. وإذن لو لم يكن إليها إشارة لما كان لها وجود وإذا كان إليها إشارة فهى حد ليست وراء ذلك. فلو كان حد ما أمعنت إليه الجهة لم يحصل لم تكن الجهة موجودة لشىء: فالعلو والسفل وما أشبه ذلك محدودة الأطراف ولا محالة أن حده بخلاء أو ملاء وستعلم أنه لا خلاء فهو إذن ملاء. وما يحد الجهة قبل الجهة ولو كانت الجهات متحدة فجسم واحد تكون إليه غاية قرب وغاية بعد محدودين. فإذا الأجسام التى تحتاج إلى (7 ا) جهات متحددة تحتاج إلى تقدم وجود هذا الجسم لها وأن يكون اختلاف جهاتها بالقرب منه والبعد منه ليس فى جانب دون جانب منه إذ لا تختلف جوانبه بالطبع فيجب إذا أن تكون حاله فى إثبات الجهة حال مركز أو محيط لكن المركز يحدد القرب ولا يحدد البعد لأن المركز الواحد يصلح مركزا لدوائر مختلفة الأبعاد فيجب أن يكون على سبيل المحيط فان المحيط الواحد كما يحدد القرب منه كذلك يحدد البعد عنه وهو المركز الواحد المعين. ويجب أن يكون هذا الجسم غير مفارق لموضعه وإلا فيحتاج إلى جسم آخر تتحدد به الجهة التى يحتاج إليها إذا أعيد إلى موضعه بطبعه أو غير طبعه. فإذن لا يكون لهذا الجسم مبدأ حركة مستقيمة لا بالقسر ولا بالطبع. والأجسام المستقيمة الحركة فانها تحتاج إلى جهات وتكون جهاتها مختلفة بالقياس إليه: فمنها ما هو أخذ نحوه فيكون متحركا من الوسط إلى المحيط ومنها ما يأخذ بالبعد عنه فيكون من نحو المحيط إلى المركز. ولا يجوز أن يكون هذا الجسم مؤلفا من أجسام أقدم منه فانها تكون حينئذ قابلة للحركة المستقيمة فيكون حينئذ محتاجا إلى جهات محصلة فتكون الجهات موجودة دون وجود هذا الجسم وقبل تركيبه - وهذا خلف. الفصل الخامس واعلم أن كل جسم إما بسيط أى غير مركب من أجسام مختلفة الطبائع وإما مركب منها.

الصفحة : 15

والأجسام البسيطة قبل الأجسام المركبة. كل جسم بسيط فإنه لو ترك وطباعه غير مقسور لاختص بحيز: فإما أن يكون عن طبعه أو عن غيره. لكنا قلنا: ليس عن غيره. فهو: عن طبعه. وكذلك فى كيفيته وشكله وكميته. وقد يعتبر فى الكيف والشكل والكم: أما فى الكيف فكالماء سخن وأما فى الكم فكالماء تخلخل وأما فى الشكل فكالماء تكعب. وقد يفعل مثل ذلك فى الوضع كالغصن يجر إلى غير وضعه. كل شكل تقتضيه طبيعة بسيطة فأجزاؤه متشاكلة ولا شىء مما ليس بكرة أجزاؤه متشاكلة فكل شكل طبيعى لجسم بسيط كرة. فبسائط العالم يحتوى بعضها على بعض متأدية إلى حصول كرة واحدة. الجزئى من الجسم البسيط مكانه بالعدد غير مكان الجزئى الآخر ولكن بحيث إذا اتصلت الجزئيات طبيعة (8 ا) واحدة بسيطة ككل ماء استحال أن تكون حركتها إلا إلى جهة واحدة ومكانها إلا مكانا واحدا مشتركا تكون أمكنة كل واحد منها كالجزء من ذلك المكان. فيجب إذن أن لا يكون لبعضها مكان ولبعضها مكان ليس من شأن جملة المكانين أن تصير مكانا للجملة. فإذن المكان العام واحد. فإذن لا مركزين لثقيلين فى عالمين. فإذن أجزاء العالم الكلى الفصل السادس فى نفى الخلاء وليس خارجا عنه خلاء ولا ملاء. فإنه لو كان الخلاء موجودا لكان أيضا متناهيا. فلو كان الخلاء موجودا لكان فيه أبعاد فى كل جهة وكان يحتمل الفضل فى جهات كالجسم. فحينئذ إما أن تكون أبعاد الجسم تداخل أبعاده وإما أن لا تكون. فإن لم تداخلها كان ممانعا فكان ملاء - هذا خلف. وإن داخلتها دخل أبعاد فى أبعاد فحصل من اجتماع بعدين متساويين بعد مثل أحدهما - وهذا خلف. والأجسام المحسوسة يمتنع عليها التداخل من حيث لا يصح أن تتوهم عليه التداخل وهى الأبعاد فانها لأجل أنها أبعاد تتمانع عن التداخل لا لأنها بيض أو حارة أو غير ذلك. فالأبعاد لذاتها فى تتداخل بل يجب أن يكون مجموع بعدين أعظم من الواحد كمجموع واحدين أكثر من واحد وعددين أكثر من عدد ونقطتين أكثر من نقطة. وليس أكثر من نقطة لأن لا حصة لها فى الكبر بل فى العدد والبعد له حصة فى الكبر كالعدد له حصة فى الكثرة.

الصفحة : 16

ولو كان خلاء موجودا لما كان يختص فيه الجسم المحيط إلا بجهة تتعين والأجسام التى فى الإحاطة إنما تتعين جهاتها بجهة هذا المحيط. فيجب أن يكون لهذا المحيط جهة إذ لذاته ليس به جهة بل يحسب شىء آخر. ولو كان خلاء لكان لهذا الجسم حيز من الخلاء مخصوص ووراءه أحياز أخرى خارجة عن حيزه لا يتحدد بها حيزه ولا تتحدد هى لحيزه فلم يكن وقوعه فى ذلك الحيز إلا اتفاقا والاتفاق يعرض عن أمور قبل الاتفاق تتأدى إلى اتفاق ليست باتفاق فتكون حينئذ أمور سلفت أدت إلى تخصيص هذا الحيز به فلهذا الجسم فى ذاته حيز آخر. والسؤال على اختصاص ذلك الحيز ثابت بل يجب أن (8 ب) يكون مثل هذا الجسم لا حيز له ولا أبن ولغيره به الحيز والأين. وهذا لا يمكن إلا أن يكون الخلاء معدوما وإلا لكان فى الخلاء حيز دونه وكانت الأحياز لا تختلف من جهة ما هى فى الخلاء. فلم يكن أن تختلف بأجسام أولى من أن تختلف بغيرها إلا أن يكون حيز بجسم أولى من حيز فتكون طبائع الأحياز فى الخلاء مختلفة - وهذا محال. فإذا إن كان خلاء لم يكن فيه لا سكون ولا حركة طبيعية ولا أيضا قسرية ما تسلب حركة أو سكونا طبيعيا. وكيف تكون فى الخلاء حركة والحركات تختلف بالسرعة والبطء بقدر اختلاف المتحركات والمتحرك فيه: فما كان أغلظ كانت الحركة فيه أبطأ ونسبة السرعة إلى البطء فى التفاوت نسبة المسافتين فى الغلظ والرقة حتى كلما ازدادت رقة ازدادت الكرة سرعة فتكون نسبة زمان الحركة فى الملاء إلى زمان الحركة فى الخلاء كنسبة مقاومة ذلك الخلاء إلى مقاومة ملاء أرق منه على نسبة الزمانين فتكون مقاومة موهوبة لو كانت لكانت مساوية للامقاومة ولا مقاومة مساوية لمقاومة لو كانت - هذا خلف. أو تكون الحركة فى الخلاء فى زمان غير منقسم - فهذا أيضا خلف. الفصل السابع فى نفى الجوهر الفرد اتصال المقادير بعضها ببعض أن تصير أطرافها واحدة واتصالها فى أنفسها أن يكون موجودا بالقوة فى أجزائها حد مشترك. تماس المقادير أن تكون نهاياتها معا من غير أن تصير واحدة. كل مقدارين يتماسان بالكلية إن أمكن فهما متداخلان. كل ما ماس شيئا بكليته فما مس أحدهما مس الآخر. كل متماسين لا بالأسر فهما متميزان بالوضع. كل متميزين بالوضع فإن

الصفحة : 17

تجاوزهما بنهايتين. إن كانت أجزاء لا تتجزأ لم تتجزأ بالملاقاة. كل ما لا يتجزأ بالملاقاة فمماسه بالأسر. كل مماس بالأسر فما ماس مماسه ماسه. كل ما ماس شيئين وحجب بينهما ماس كلا بما لم يماس به الآخر فانقسم. فلا شىء من المماس على ترتيب محجوب بعضه من بعض بغير منقسم. - كل مماس بالأسر من غير تنحى شىء من شىء فحجم جملتها مثل حجم الواحد وإن كان العدد أكثر (9 ا). كل مالا يتجزأ لا يتألف من تركيبه مقدار لأنه لا يتماس بالحجب ولا يتماس بالمداخلة تماسا يوجب زيادة حجم. - إن كان تأليف مما لا يتجزأ وجب أن يكون الجزآن الموضوعان على مسافة بينهما جزء يمتنع فيهما الالتقاء بالحركة خوفا من انقسام الجزء ويتقابلان بالحركة على مسافتين زوجيى الأجزاء لا يجوز أحدهما الآخر من غير أن تلحقه بالمحاذاة والحركة متساوية: فإن كل واحد منهما إن كان قد قطع النصف عند المحاذاة فبعد لم يحاذه وإن اختلفا فقطع المتفقين فى السرعة يختلف ولو كان تركيب مما لا يتجزأ لوقع عدد القطر فى المربع كعدد الضلع مع أن كل واحد منهما ليس بين أجزائهما فرجة ولا اختلاف مقادير وكان إذا زالت الشمس عن محاذاة شخص يركز فى الأرض جزءا إما أن تزول المحاذاة جزءا فيكون مدار الشمس ومدار طرف المحاذاة واحدا - وهذا محال وإما أن تزول المحاذاة أقل من جزء فانقسم أو تثبت المحاذاة مع الزوال وهذا محال. فإذا من المحال أن يكون تأليف الأجسام من أجزاء لا يتجزأ. فإذن قسمة الأجزاء لا تقف عند أجزاء لا تتجزأ. وليس يجب أن يكون للجسم قبل التجزئة جزء إلا بالإمكان. ويجوز أن يكون فى الإمكان أحوال بلا نهاية. فإذن الأجسام لا ينقطع إمكان انقسامها بالتوهم ألبتة. فأما تزييدها فإلى حد يقف عنده إذ لا نجد مادة غير متناهية ولا مكانا غير متناه. ومكان الجسم ليس بعدا هو فيه لما علمت بل هو سطح ما يحويه الذى يليه فهو فيه. الفصل الثامن فى الزمان وأما الزمان فهو شىء غير مقداره وغير مكانه وهو أمر به يكون (القبل) الذى لا يكون معه (البعد). فهذه القبلية له لذاته ولغيره به وكذلك البعدية. وهذه القبليات والبعديات متصلة إلى غير نهاية. والذى لذاته هو قبل شىء هو بعينه يصير بعد شىء وليس أنه (قبل) هو أنه حركة بل معنى آخر. وكذلك ليس هو سكون ولا شىء من الأحوال التى تعرض فإنها فى

الصفحة : 18

أنفسها لها معان غير المعانى التى هو بها (قبل) وبها (بعد) وكذلك (مع) فإن لل (مع) مفهوما غير مفهوم كون الشىء (9 ب) حركة. وهذه القبليات والبعديات والمعيات تتوالى على الاتصال ويستحيل أن تكون دفعات لا تنقسم وإلا لكانت توازى حركات فى مسافات لا تنقسم - وهذا محال فإذن يجب أن يكون اتصالها اتصال المقادير. ومحال أن تكون أمور ليس وجودها معا تحدث وتبطل ولا تغير ألبتة فإنه إن لم يكن أمر زال ولم يكن أمر حدث لم يكن (قبل) ولا (بعد) بهذه الصفة. فاذن هذا الشىء المتصل متعلق بالحركة والتغير وكل حركة على مسافة على سرعة محدودة فإنه إذا تعين لها أو تعين بها مبدأ وطرف لا يمكن أن يكون الإبطاء منها يبتدىء معها ويقطع النهاية معها بل بعدها. فاذن ها هنا تعلق أيضا بال (مع) وال (بعد) وإمكان قطع سرعة محدودة مسافة محدودة فيما بين أخذه فى الابتداء وتركه فى الانتهاء وفى أقل من ذلك إمكان قطع أقل فى تلك المسافة وهذا لا مقدار المسافة التى لا يختلف فيها السريع والبطىء وغير مقدار المتحرك الذى قد يختلف فيه مع الاتفاق فى هذا بل هو الذى يقول إن السريع يقطع فيه هذه المسافة وفى أقل منه أقل من هذه المسافة. وهذا الإمكان مقدار غير ثابت بل متجدد كما أن الابتداء بالحركة للحركة غير ثابت ولو كان ثابتا لكان موجودا للسريع والبطىء بلا اختلاف. فهو إذن هو المقدار المتصل على ترتيب القبليات والبعديات على نحو ما قلنا وهو متعلق بالحركة - وهو الزمان: فهو مقدار الحركة فى المتقدم والمتأخر اللذين لا يثبت أحدهما مع الآخر لا مقدار المسافة ولا مقدار المتحرك. الآن فصل الزمان وطرف أجزائه المفروضة فيه ينفصل به كل جزء فى حده ويتصل بغيره. والزمان إذ لا ثبات ل (قبله) مع (بعده) فهو متعلق بالتغير ولا بكل تغير بل بالتغير الذى من شأنه أن يتصل. والتغيرات التى فى الكم بين نهايتى الصغير والكبير والتى فى الكيف بين نهايتى الضدين والتى فى الأين بين نهايتى مكانين بينهما غاية البعد وكل ما يقصد طرفا ليسكن فيه إن كان بالطبع يهرب عما عنه إلى ما إليه فالطرف المتوجه إليه بالطبع مسكون فيه بالطبع والذى بالقسر بعد الذى بالطبع ولأن كل حركة (10 ا) مبتدئة فى العالم فهى (بعد) ما لم يكن فيها فلها (قبل) و (القبل) زمان فالزمان أقدم من الحركة المبتدئة فهو إذن أقدم من التى فى الكيف والكم والأين المستقيم. فالتغير الذى يتعلق به الزمان هو إذن الذى يكون فى الوضع المستدير الذى يصح له أن يتصل أى اتصال شئت. وأما السكون فالزمان لا يتعلق به ولا يقدره إلا

الصفحة : 19

بالعرض إذ لو كان متحركا ما هو ساكن لكان يطابق هذا الجزء من الزمان. والحركات الأخرى يقدرها الزمان لا بأنه مقدارها الأول بل بأنه معها كالمقدار الذى فى الذراع يقدر خشبة الذراع بذاته وسائر الأشياء بتوسطه. ولهذا يجوز أن يكون فى الزمان واحد مقدار الحركات فوق واحدة. وكما أن الشىء فى العدد إما مبدؤه كالوحدة وإما قسيمة كالزوج والفرد وإما معدوده - كذلك الشىء فى الزمان: منه ما هو مبدؤه كالآن ومنه ما هو جزؤه كالماضى والمستقبل ومنه ما هو معدوده ومقدره وهو الحركة. والجسم الطبيعى فى الزمان لا لذاته بل لأنه فى الحركة والحركة فى الزمان ذوات الأشياء الثابتة وذوات الأشياء الغير ثابتة من جهة والثابتة من جهة إذا أخذت من جهة ثباتها لم تكن فى الزمان بل مع الزمان. ونسبة ما مع الزمان وليس فى الزمان إلى الزمان من جهة ما مع الزمان - هو الدهر. ونسبة ما ليس فى الزمان إلى ما ليس فى الزمان من جهة ما ليس فى الزمان الأولى به أن يسمى السرمد. والدهر فى ذاته من السرمد وبالقياس إلى الزمان دهر الحركة علة حصول الزمان والمحرك علة الحركة فالمحرك علة علة الزمان فالمحرك علة الزمان - ولا كل محرك بل محرك المستدير ولا كل محرك مستديرة بل التى ليست بالقسر. - فقد صح أن الزمان قبل القسر. الفصل التاسع فى مبادئ الحركة كل حركة عن محرك غير قسرى: فإما عن محرك طبيعى أو نفسانى إرادى. وكل محرك طبيعى فهو بالطبع يطلب شيئا ويهرب عن شئ: فحركته بين طرفين: متروك لا يقصد ومقصود لا يترك وليس شيء من الحركات المستديرة بهذه الصفة (10 ب) فإن كل نقطة فيها مطلوبة ومهروب عنها فلا شيء من الحركات المستديرة بطبيعى. فاذن الحركة الموجبة للزمان نفسانية إرادية. فالنفس علة وجود الزمان. كل حركة فلها محرك لأن الجسم إما أن يتحرك لأنه جسم أو لا لأنه جسم - فان تحرك لأنه جسم وجب أن يكون كل جسم متحركا. فاذن حركته تجب عن سبب آخر: إما قوة فيه وإما خارج عنه. المحركات فى كل طبيعة تنتهى إلى محرك أول لا يتحرك وإلا لاتصلت محركات ومتحركات بلا نهاية فاتصلت الأجسام بلا نهاية وكان لحماتها حجم غير متناه - وهذا محال.

الصفحة : 20

ليس من شأن جسم من الأجسام أن تكون له قوة على أمور غير متناهية وإلا لكان قوة الجزء مقابلة لشئ من ذلك الغير المتناهى المفروض من مبدأ محدود أقل مما يقوى عليه الكل من ذلك المبدأ فكان على متناه وكذلك الجزء الآخر فمجموعهما يكون على متناه. فالمحرك الأول الذى لا تتناهى قوته إذن ليس بجسم ولا فى جسم وليس بمتحرك لأنه أول ولا ساكن لأنه لا يقبل الحركة والساكن هو عادم الحركة زمانا له أن يتحرك فيه. الأجسام لا تخلو فى طبيعتها من مبدأ حركة. وذلك لأن كل جسم إما أن يكون قابلا للنقل عن موضعه الطبيعى أو غير قابل. فان كان قابلا فهو قابل للتحريك المستقيم فلا يخلو إما أن يكون فى طباعه مبدأ ميل إلى مكانه الطبيعى أو لا يكون. لكنا نشاهد بعض الأجسام فى طباعه ميل إلى جهة من الجهات وكلما اشتد الميل قاوم المحرك بالقسر حتى تتفاوت النسب بتفاوت ما فيها من قوة الميل. فان كان جسم لا ميل فيه قبل حركة قسر وكل حركة كما علمت فى زمان - كانت لزمان تلك الحركة نسبة إلى زمان حركة جسم ذى ميل فى طبعه بالقسر يكون فى ميله حركة قسر جسم ذى ميل لو قدر نسبة مثله إلى ذلك نسبة الزمانين فيكون قسر ما لا مقاومة فيه على نسبة قسر فى جسم ذى ميل - هذا خلف. فاذن كل جسم قابل للنقل من موضعه الطبيعى ففيه مبدأ حركة. فإن لم يكن قابلا للنقل من موضعه الطبيعى فلأجزائه نسبة إلى أجزاء ما يحويه أو يكون محويا فيه لنسب (11 ا) واجبة لذاتها إذ ليس بعض الأجزاء التى تعرض فيه أولى بملاقاة عددية أو موازاة عددية من بعض. فإذن فى طباعها أن يعرض لها تبدل بهذه المناسبات. فهى قابلة للنقل عن موضعها ثم يتبرهن بذلك البرهان أن لها مبدأ حركة وضعية مستديرة. فكل جسم ففيه مبدأ حركة إما مستقيمة وإما مستديرة. ويستحيل أن يكون فى جسم واحد بسيط مبدأ حركتين: مستقيمة ومستديرة أو يكون ما هو للذات مبدأ حركة مستقيمة هو بعينه فى حالة أخرى مبدأ حركة مستديرة لا كما يكون فى حالة أخرى مبدأ سكون لأن السكون غاية الحركة المستقيمة. إذ قد علمت أن الحركة المستقيمة هرب وطلب هرب عن مكان غير طبيعى وطلب لمكان طبيعى وعلمت أن الجهات محدودة وعلمت أن الأمكنة الطبيعية للأجسام البسيطة محدودة. فاذا انتهت حركته لحصوله فى مكانه الطبيعى استحال أن يتحرك عنه فيكون مكانا غير طبيعى مهروبا عنه وغير ملائم فيسكن فيكون سكونه غاية حركة. وأما الحركة المستديرة فليست من حيث هى حركة مستديرة غاية الحركة

الصفحة : 21

المستقيمة ولا نفس عدم لها بل أمر زائد يحتاج إلى مبدأ آخر. فاذا استحال أن يكون فى جسم واحد ميلان طبيعيان اثنان أو يكون أحد الميلين مؤديا إلى الميل الثانى لزم أن يكون الجسم الطبيعى إما مخصوصا بمبدأ حركة مستقيمة وإما مخصوصا بمبدأ حركة مستديرة. وكل حركة مستقيمة فهى متحددة بالمتحرك بالحركة المستديرة تحددا بالقرب والبعد. وكل حركة مستقيمة فإما إلى المركز والوسط وإما عن المركز إلى المستديرة حول المركز. وكل حركة بسيطة طبيعية فاما على الوسط أو إلى الوسط. والتى على الوسط لا تنسب إلى خفة ولا إلى ثقل. والتى من الوسط فتنسب إلى الخفة. والتى إلى الوسط فتنسب إلى الثقل. وكل واحد من الثقيل والخفيف إما غاية وإما دون الغاية. فالثقيل المطلق بالغاية هو الذى إلى حاق الوسط وهو الأرض ويليه الماء. والخفيف المطلق هو الذى إلى حاق المحيط وهو النار ويليه الهواء. وأنت تعلم أن الأرض ترسب (11 ب) فى الماء كما يرسب الماء فى الهواء فهما ثقيلان لكن الأرض أثقل. والهواء إذا حصل فى الماء والأرض طفا وصعد إن وجد منفذا وخالفا فى مكانه إذ يمتنع وقوع الخلاء. فالهواء خفيف والنار لا ترسب فى الهواء بل تطفو إلى فوق فالنار أخف من الهواء. - وليس طفو شيء من ذلك أو رسوبه لدفع وضغط أو جذب الفصل العاشر فى مسائل السماء والعالم الأجسام إما بسيطة وإما مركبة. والبسائط هى الأجسام التى لا تنقسم إلى أجسام مختلفات الطبائع مثل السموات والأرض والماء والهواء والنار. والمركبة هى التى تنحل إلى أجسام مختلفة الصور منها تركبت مثل النبات والحيوان. والأجسام البسيطة قبل المركبة. وهى إما بسيطة من شأنها أن تؤلف منها الأجسام المركبة وإما بسيطة ليس من شأنها ذلك. كل جسم يقبل التركيب عنه فمن شأنه أن يفارق موضعه الطبيعى بالقسر. وقد صح أن كل جسم بهذه الصفة ففيه مبدأ حركة مستقيمة. فكل ما ليس فيه مبدأ حركة مستقيمة فليس مبدءا للتركيب عنه. فالاسطقسات هى الأجسام الثقيلة والخفيفة وتشترك فى أوائل المحسوسات من الكيفيات. وأوائل المحسوسات هى الملموسات ولهذا لا يوجد فى حيز الأجسام المستقيمة الحركة جسم إلا وله كيفية ملموسة وقد يعرى عن المطعومة والمذوقة والمشمومة. وأوائل الملموسات هى الحار والبارد والرطب واليابس. وما سوى ذلك إما يتكون عنها أو لازم

الصفحة : 22

إياها. أما المتكون فمثل اللزوجة عن شدة اجتماع الرطب واليابس وأما اللازم فمثل التخلخل الطبيعى فإنه يتبع الحار والملاسة الطبيعية فإنها تتبع الرطب. فالأجسام البسيطة حارة وباردة ورطبة ويابسة فاذا تركبت حصل من ذلك حار يابس وذلك هو النار وخصوصا الصرف الذى هو جزء الشعلة والجزء الآخر هو الدخان وحار رطب وهو الهواء فإنه لولا أنه حار لما كان متخلخلا ينسل عن الماء والبرد الذى فى أسفله بسبب ما يخالطه من البخار المائى الغالب عليه عند قرب الأرض وأقواه (12 ا) حيث ينتهى شعاع الشمس المنعكس عن الأرض أعنى المسخن للأرض أولا ثم ما يجاوره عن قرب ثانيا: فاذا انقطع كان بخارا باردا ثم هواء حارا صرفا. وأما رطوبته فلأنه أقبل الأجسام وأتركها للأشكال وأطوعها فى الانفصال والاتصال. وبارد رطب وهو الماء ولا يشك فيه. وبارد ويابس وهو الأرض ولا أيبس من الأرض وأما بردها فيدلك عليه تكاثفها وثقلها. ومكان الحار فوق مكان الأقل بردا والأيبس فى البابين أشد إفراطا أعنى البارد واليابس أثقل والحار اليابس أخف. الفصل الحادى عشر فى الآثار العلوية وهذه الاسطقسات منفعلة بحسب تفعيل المؤثرات السماوية. والمؤثر الظاهر فيها هو الشمس ثم القمر وخصوصا فيما هو رطب فيزيد رطوبة وتخلخلا وزيادة ولذلك ما يزيد المد مع البدر والأدمغة وتنضج الفواكه والثمار. وأما الكواكب الأخرى فأفعالها حقة لكنها خفية لا يطلع عليها بادى النظر. والشمس إذا أشرقت على صفحة الأرض حللت وصعدت فالمتحلل الرطب بخار والمتحلل اليابس دخان فاذا تصاعدا صعد اليابس وبقى الرطب فيرد فى الحيز البارد فى الجو فيقطر مطرا بعد ما انعقد غيما أو ثلجا إن جمد السحاب وهو سحاب أو انضغط البرد إلى باطن السحاب منحصرا عن حر مستول على ظاهره كما فى الربيع والخريف - جمد القطر بردا. وربما قام الهواء الرطب المائى كالمرآة للنيرات على حسب المسامتات فلاحت خيالات تسمى قوس قزح وشمسيات ونيازك. وإذا انتهى المتصعد إلى حيز النار اشتعل بنار ثاقبة الاشتعال. فإن تلطف بسرعة واستحال نارا أشف فرؤى كالمنطفئ وإنما هو مستحيل نارا. والنار الصرفة مشفة لا لون لها: تأمل أصول الشعل وحيث النار قوية تر مثل الخلاء ينفذ فيه البصر. - فإن لم يتحلل بسرعة وبقى كان من ذلك الكواكب ذوات الأذناب والذوائب

الصفحة : 23

والشهب. فان استجمر ولم يشتعل رؤيت علامات حمر هائلة فى الجو. فان كانت (12 ب) مستفحمة رؤيت كالهوات والكرات الغائرة المظلمة واقفة حذاء جزء من السماء. وإذا برد الدخان فى الجو قبل الانتهاء إلى حيز الاشتعال هبط ريحا. وهذه الأبخرة والأدخنة إذا احتبست فى الأرض ولم تتحلل حدث منها أمور: أما الأبخرة فتتفجر عيونا وأما الأدخنة فهى إذا لم تنسل فى المسام والمنفذ زلزلت الأرض فربما خسفت وخلصت نارا مشتعلة لشدة الحركة جارية مجرى الريح المحتبسة فى السحاب فانها تحدث - لشدة حركتها - صوت الرعد وتنفصل مشتعلة برقا أو صاعقة إن كانت غليظة كبيرة وإذا لم تبلغ قدر الأبخرة والأدخنة المحتبسة فى الأرض أن تتفجر عيونا أو تزلزل بقعة اختلطت على ضروب من الاختلاط مختلفة فى الكم والكيف فحينئذ تكون منها الأجسام الأرضية مثل الذهب والفضة فانها غالب عليها المائية وما كان منها يذوب ويشتعل كالكبريت والزرنيخ فإنها غالب عليها مع المائية الهوائية وما كان منها لا يذوب فإنه غالب عليه الأرضية وما يتطرق ففيه دهنية لا تجمد وما كان يذوب ولا يتطرق فمائيته خالصة ولا دهنية فيه. وهذه أول ما تتكون من هذه الاسطقسات. الفصل الثانى عشر فى النبات فإذا تركبت الاسطقسات تركيبا أقرب إلى الاعتدال حدث النبات وشارك الحيوان فى قوة التغذية والتوليد ولها نفس نباتية وهى مبدأ استبقاء الشخص بالغذاء وتنميته به واستبقاء النوع بتوليد مثل ذلك الشخص. ولتلك النفس قوة غاذية من شأنها أن تحتل جسما شبيها بجسم ما هى فيه بالقوة إلى أن تكون شبيهة بالفعل لتسد به بدل ما يتحلل وقوة نامية وهى التى من شأنها أن تستعمل الغذاء فى أقطار المغتذى يزيد بها طولا وعرضا وعمقا إلى أن يبلغ به تمام النشوء على نسبة طبيعية وقوة مولدة تولد جزءا من الجسم الذى هى فيه يصلح أن يكون عنه جسم آخر بالعدد ومثله بالنوع. الفصل الثالث عشر فى الحيوان ثم يتولد الحيوان باعتدال أكثر فيكون مزاجه مستحقا لأن يكمل بنفس دراكة محركة (13 ا) بالاختيار. ولهذه النفس قوتان: قوة مدركة وقوة محركة. والقوة المدركة: أما فى الظاهر فهى

الصفحة : 24

هذه الحواس الخمس وأما فى الباطن فالحس المشترك والمصورة والمتخيلة والمتوهمة والمتذكرة. فأول الحواس وأوجبها للحيوان والذى به يكون الحيوان حيوانا من بين سائر الحواس هو اللمس وهو قوة من شانها أن تحس بها الأعضاء الظاهرة بالمماسة كيفيات الحر والبرد والرطوبة واليبوسة والثقل والخفة والملاسة والخشونة وسائر ما يتوسط بين هذه ويركب منها. ثم قوة الذوق وهى مشعر المطاعم وعضوها اللسان ثم قوة الشم وهى مشعر الروائح وعضوها جزآن من الدماغ فى مقدمه شبيهان بحلمتى الثدى. ثم قوة السمع وهى مشعر الأصوات وعضوها العصبة المنغرسة على سطح باطن الصماخ. ثم قوة البصر وهى مشعر الألوان وعضوها الرطوبة الجليدية فى الحدقة. وكل واحد من هذه المشاعر فان المحسوس يتأدى إليها: أما الملموس فيكون بلا واسطة غريبة بل بالمماسة وأما المطعوم فبتوسط الرطوبة. وقد غلط من ظن أن الإبصار يكون بخروج شيء من البصر إلى المبصرات يلاقيها فإنه إن كان جسما امتنع أن يكون فى بصر الإنسان جسم يبلغ من مقداره أن يلاقى نصف كرة العالم وينبسط عليها. ثم إنه مع ذلك إن كان متصلا بالبصر فهو أعظم وإن كان منفصلا لم يتأد مدركه إلى البصر وإن كان متصلا وجب أن يكون غير تام الاتصال إذ لا يدخل جسم فى جسم فتكون تأديته محالة لانقطاعه أو يكون ما يتخلله من الهواء يؤدى فلا يحتاج إلى خروجه وإن كان عرضا كان من العجب أن يخرج عرض عن جسم إلى جسم آخر. وأيضا إن كان جسما فإما أن تكون حركته بالطبع أو بالإرادة: فان كان بارادة كان لنا مع التحديق أن نقبضه إلينا فلا نرى به شيئا وإن كان خروجه طبيعيا كان إلى بعض الجهات دون بعض فان الحركة الطبيعية إلى جهة واحدة تكون. وإن كان إذا خالط الهواء قليله أحال الهواء آلة للإدراك كان يجب - إذا كثر الناظرون - أن يرى كل واحد منهم أحسن مما لو انفرد لأن الهواء يكون أكمل انفعالا للكيفية المحتاج إليها فى أن يكون آلة. ولو كان الإحساس بملامسة الشعاع لكان المقدار يدرك كما هو. وأما إن كان بالتأدية إلى الرطوبة الجليدية فنقول إنه يجب أن يكون الأبعد يرى أصغر. برهان ذلك: لتكن الرطوبة الجليدية دائرة رح حول ه وليكن ا ب ح ء مقدارين متساوين وأبعدهما ح ء. وليكن ه ل عمودا عليهما جميعا ونصل ه ح ب ه ر ا ه ك ح ه ط ء. فلأن مثلثى ا ب ه ه ح ء متساويا الساقين وقاعدتاهما كل واحدة منهما متساويتان وارتفاع ح ه ء أطول فزاوية ح ه ء أصغر

الصفحة : 25

وزاوية ا ه ب أعظم وزاوية ح ه ء يوترها قوس ط ك وزاوية ا ه ب يوترها قوس ح ر - يكون قوس ح ر أكبر من قوس ط ك وشبح ا ب يرتسم فى ح ء وشبح ح ء يرتسم فى ط ك فإذن يرتسم فيه شبح الأبعد أصغر. فهو إذن يرى بأجزاء من الجليدية أقل. ومتى كان محل الشبح أصغر كان الشبح أصغر. والمرئى الحقيقى هو هذا الشبح. فإذن إذا كان الشبح يرد على البصر يجب أن يكون الأبعد شبحه أصغر فيرى أصغر. فاذن صغر الزاوية تعين فى صغر الإبصار حيث يكون قبول الشبح لا بملاقاة بالشعاع. الفصل الرابع عشر فى الحواس الباطنة وأما القوى المدركة فى الباطن فمنها القوة التى ينبعث منها قوى الحواس الظاهرة وتجتمع بتأديتها إليها وتسمى الحس المشترك ولولاها لما كان إذا أحسسنا بلون العسل إبصارا حكمنا بأنه حلو وإن لم نحس فى الوقت حلاوته. وذلك لأن القوة واحدة واجتمع فيها ما أداه حسان من حلاوة ولون فى شيء واحد - فلما ورد عليه أحدهما كان الثانى ورد معه. ولولا أن فينا شيئا اجتمع (14 ا) فيه صورة الحلاوة والصفرة لما كان أن نحكم أن الحلاوة غير الصفرة ولا أن نحكم أن هذا الأصفر هو حلو. وهذا الحس المشترك تقرن به قوة تحفظ ما تؤديه الحواس إليه من صور المحسوسات حتى إذا غابت عن الحس بقيت فيه بعد غيبها. وهذا يسمى الخيال والمصورة وعضوهما مقدم الدماغ. وهاهنا قوة أخرى فى الباطن تدرك فى الأمور المحسوسة ما لا يدركه الحس مثل القوة فى الشاة التى تدرك من الذئب ما لا يدركه الحس ولا يؤديه الحس - فإن الحس لا يؤدى إلا الشكل واللون فأما أن هذا ضار أو عدو ومنفور عنه فتدركه قوة أخرى وتسمى وهما. وكما أن للحس خزانة هى المصورة كذلك للوهم خزانة تسمى الحافظة والمتذكرة. وعضو هذه الخزانة ومؤخر الدماغ. وهاهنا قوة تفعل فى الخيالات تركيبا وتفصيلا تجمع بين بعضها وبعض وتفرق بين بعضها وبعض وكذلك تجمع بينها وبين المعانى التى فى الذكر وتفرق. وهذه القوة إذا استعملها العقل سميت مفكرة وإذا استعملها الوهم سميت متخيلة وعضوها الدودة التى فى وسط الدماغ. فهذه القوى التى فى باطن الحيوانات - أعنى الحس المشترك والخيال والوهم والمتخيلة والحافظة.

الصفحة : 26

والحس المشترك غير الخيال بالمعنى لأن الحافظ غير القابل والحفظ فى كل شيء بقوة غير قوة القبول. ولو كان الحفظ بقوة القبول لكان الماء يحفظ الأشكال كما يقبلها بل للماء قوة قابلة وليس له قوة حافظة. - والقوة المتخيلة خاصتها دوام الحركة ما لم تغلب وحركتها محاكيات الأشياء بأشباهها وأضدادها: فتارة تحاكى المزاج كمن تغلب عليه السوداء فتخيل له صورا سوداء ومحاكاة أذكار سبقت أو محاكاة أفكار رجيت. الفصل الخامس عشر فى القوى المحركة الحيوانية وأما القوة المحركة فهى مبدأ انتقال الأعضاء بتوسط العصب والعضل بالإرادة ولها أعوان أولى وثانية. فالعون الأول هو المدركة: إما المتخيلة وإما العاقلة والعونان الأخيران قوتا النزاع إلى المدرك: إما نزاعا نحو دفع أو نزاعا (14 ب) نحو جذب. فالنزاع نحو الجذب هو للمتخيل أو المظنون نافعا وملائما. وهذه القوة تسمى شهوانية والنزاع نحو الدفع للمتخيل ضارا أو غير ملائم على سبيل الغلبة ويسمى غضبا وهما مبدأ استعمال القوة المحركة فى الحيوان الغير الناطق وفى الحيوان الناطق لا من حيث هو ناطق. فإحدى القوتين: الأولى لدفع الضار والثانية لجذب الضرورى والنافع. فهذه هى القوى المشتركة للحيوانات الكاملة من حيث هى حيوانات كاملة. وكلها كمالات أجسام على سبيل تصور تلك الأجسام بها. فلذلك لا تتم أفعالها إلا بالأجسام. وتختلف بحسب الأجسام: أما المدركة فيعرض لها إذا انفعلت آلتها أن لا تدرك أو تدرك قليلا أو تدرك لا على ما ينبغى - كما أن البصر إما أن لا يرى أو يرى رؤية ضعيفة أو يرى غير الموجود موجودا أو خلاف ما عليه الموجود بحسب انفعال الآلة. ويعرض لها أنها لا تحس بالكيفية التى فى آلتها إذ لا آلة لها إلى آلتها وإنما تدرك بالآلة ويعرض لها أن لا تدرك فعلها لأنه لا آلة لها إلى فعلها ويعرض لها أن لا تدرك ذاتها لأنه لا آلة لها إلى ذاتها ويعرض لها أنها إذا انفعلت عن محسوس قوى لم يحس بالضعيف أثره لأنها إنما تدرك بانفعال آلة. وإذا اشتد الانفعال ثبت الأثر. وإذا ثبت الأثر لم يتم انتعاش غيره معه. ويعرض لها أن البدن إذا أخذ يضعف بعد سن الوقوف أن يضعف جميعها فى كل شخص فلا يكون ولا شخص واحد تسلم فيه القوة الحساسية. فاذن هذه كلها بدنية وكذلك المحركة وذلك فيها أظهر لأن وجودها بحركة

الصفحة : 27

آلات فيها ولا وجود لها من حيث هى كذلك ذا فعل خاص. الفصل السادس عشر ومن الحيوان الإنسان: يختص بنفس إنسانية تسمى نفسا ناطقة إذ كان أشهر أفعالها وأول آثارها الخاصة بها النطق. وليس يعنى بقولهم: نفس ناطقة - أنها مبدأ المنطق فقط بل جعل هذا اللفظ (15 ا) لقبا لذاتها. ولها خواص: منها ما هو من باب الإدراك ومنها ما هو من باب الفعل ومنها ما هو من باب الانفعال. فأما الذى لها من باب الفعل فى البدن والانفعال ففعل ليس يصدر عن مجرد ذاتها. وأما الإدراك الخاص ففعل يصدر عن مجرد ذاتها من غير حاجة إلى البدن. ولنفسر كل واحد من هذه: فأما الأفعال التى تصدر عنها بمشاركة البدن والقوى البدنية: فالتعقل والروية فى الأمور الجزئية فيما ينبغى أن يفعل وما لا ينبغى أن يفعل بحسب الاختيار. ويتعلق بهذا الباب استنباط الصناعات العملية والتصرف فيها كالملاحة والفلاحة والصباغة والنجارة. وأما الانفعالات فأحوال تتبع استعدادات تعرض للبدن مع مشاركة النفس الناطقة كالاستعداد للضحك والبكاء والخجل والحياء والرحمة والرأفة والأنفة وغير ذلك. وأما الذى يخصها - وهو الإدراك - فهو التصور للمعانى الكلية. وبنا حاجة أن نصور لك كيفية هذا الإدراك فنقول: إن كل واحد من أشخاص الناس مثلا هو إنسان لكن له أحوال وأوصاف ليست داخلة فى أنه إنسان ولا يعرى هو منها فى الوجود مثل حده فى قده ولونه وشكله والملموس منه وسائر ذلك - فإن تلك كلها وإن كانت إنسانية فليست بشرط فى أنه إنسان وإلا لتساوى فيها كلها أشخاص الناس كلهم. ومع ذلك فإنا نعقل أن هناك شيئا هو الإنسان. وبئس ما قال من قال: إن الإنسان هو هذه الجملة المحسوسة! فانك لا تجد جملتين بحالة واحدة. وهذه الأحوال الغريبة تلزم الطبيعة من جهة قبول مادتها وصورتها: فان كل واحد من أشخاص الناس تتفق له مادة على مزاج واستعداد خاص. وكذلك يتفق له وقت وزمان وأسباب أخرى تعاون على إلحاق هذه الأحوال للماهيات من جهة موادها. ثم الحس - إذا أدرك الإنسان - فإنه تنطبع فيه صورة ما للإنسان (15 ب) من حيث هى مخالطة هذه الأعراض والأحوال الجسمانية. ولا سبيل لها إلى أن ترتسم فيها مجرد ماهية الإنسان حتى يكون ما يشاكل

الصفحة : 28

فيه نفسا تلك الماهية. وهذا يظهر بأدنى تأمل. والحس كأنه نزع تلك الصورة عن المادة وأخذها فى نفسه لكن نزع إذا غابت المادة غاب ونزع مع العلائق العرضية المادية. فإذن لا مخلص للحس إلى مجرد الصورة. - وأما الخيال فانه قد يجرد الصورة تجريدا أكبر من ذلك وذلك أنه يستحفظ الصورة وإن غابت المادة. لكن ما يتراءى للخيال من الصورة المأخوذة عن الإنسان مثلا لا تكون مجردة عن العلائق المادية فان الخيال ليس يتخيل صورة إلا على نحو ما من شأن الحس أن يودى إليه. - وأما الوهم فإنه وإن استثبت معنى غير محسوس فلا يجرده إلا متعلقا بصورة خيالية. فإذن لا سبيل لشئ من هذه القوى أن يتصور ماهية شى مجردة عن علائق المادة وزوائدها إلا للنفس الإنسانية فانها التى تتصور كل شيء بحده كما هو منقوصة عنه العلائق المادية وهو المعنى الذى من شأنه أن يوقع على كثيرين كالإنسان من حيث هو إنسان فقط. فإذا تصور هذه المعانى تعدى التصور إلى التصديق بأن يؤلف منها على سبيل القول الجازم. فالشئ فى الإنسان الذى تصدر عنه هذه الأفعال يسمى نفسا ناطقة وله قوتان: إحداهما معدة نحو العمل ووجهها إلى البدن وبها يميز بين ما ينبغى أن يفعل وبين ما لا ينبغى أن يفعل وما يحسن ويقبح من الأمور الجزئية - ويقال له العقل العملى ويستكمل فى الناس بالتجارب والعادات والثانية قوة معدة نحو النظر والعقل الخاص بالنفس ووجهها إلى فوق وبها ينال الفيض الإلهى. وهذه القوة قد تكون بعد بالقوة لم تفعل شيئا ولم تتصور بل هى مستعدة لأن تعقل المعقولات بل هى استعداد ما للنفس نحو تصور المعقولات - وهذا يسمى العقل بالقوة والعقل الهيولانى. وقد تكون قوة أخرى أخرج منها إلى الفعل وذلك بأن تحصل (16 ا) للنفس المعقولات الأولى على نحو الحصول الذى نذكره وهذا يسمى العقل بالملكة. ودرجة ثالثة هى أن تحصل للنفس المعقولات المكتسبة فتحصل النفس عقلا بالفعل ونفس تلك المعقولات تسمى عقلا مستفادا. ولأن كل ما يخرج من القوة إلى الفعل فانما يخرج بشئ يفيده تلك الصورة فاذن العقل بالقوة إنما يصير عقلا بالفعل بسبب يفيده المعقولات ويتصل به أثره وهذا الشئ هو الذى يفعل العقل فينا. وليس شيء من الأجسام بهذه الصفة. فاذن هذا الشئ عقل بالفعل وفعال فينا فيسمى عقلا فعالا وقياسه من عقولنا قياس الشمس من أبصارنا: فكما أن الشمس تشرق على المبصرات فتوصلها بالبصر كذلك أثر العقل الفعال يشرق على المتخيلات فيجعلها بالتجريد عن عوارض المادة معقولات

الصفحة : 29

فيوصلها بأنفسنا. فنقول: إن إدراك المعقولات شيء للنفس بذاتها من دون آلة لأنك قد علمت أن الأفعال التى بالآلة كيف ينبغى أن تكون ونجد أفعال النفس مخالفة لها. ولو كان تعقل بآلة لكان تعقل الآلة دائما لأنها لم تخل: إما أن تعقل الآلة بحصول صورة الآلة أو بحصول صورة أخرى. ومحال أن يعقل الشئ بصورة شيء آخر. فإذن تعقله بصورته. فإذن يجب أن تحصل صورته. وحصول صورته لا يخلو من وجوده: إما أن تحصل الصورة فى نفس النفس مباينة للآلة أو تحصل الصورة فى نفس الآلة أو تحصل الصورة فيهما جميعا. فان كانت الصورة تحصل فى النفس وهى مباينة فلها فعل خاص لأنها قد قبلت الصورة من غير أن حلت تلك الصورة معها فى الآلة. فان كان حصول الصورة فى الآلة فيجب أن يكون العلم بها دائما إذ كان العلم بحصول الصورة فى الآلة. وإن كان بحصولهما فى كليهما فهذا على وجهين: أحدهما أن يكون إذا حصل فى أيهما كان - حصل فى الآخر لمقارنة الذاتين فيجب أن يكون إذا كانت فى الآلة صورتها أن تكون أيضا فى النفس إذا كانت لمقارنة الذاتين فيكون حينئذ العلم يجب أن يكون (16 ا) دائما أو يكون يحتاج أن تحصل صورة أخرى من الرأس فيكون فى الآلة صورتان مرتين ومحال أن تكثر الصورة إلا بموادها وأعراضها وإذا كانت المادة واحدة والأعراض واحدة لم تكن هناك صورتان بل صورة واحدة. ثم إن كان الصورتان فلا يكون بينهما فرق بوجه من الوجوه فلا ينبغى أن يكون أحدهما معقولا دون الآخر. وإن سامحنا وقلنا إن الصورة وحدها لا تتهيأ أن تكون معقولة ما لم تجد صورة أخرى فلا بد من أن نقول حينئذ إن كل واحدة من الصورتين معقولة. فإذن لا يمكن أن تعقل الآلة إلا مرتين ولا يمكن أن تعقل مرة واحدة. فإن كان شرط حصول الصورتين فيهما ليس على سبيل الشركة بل على سبيل أن يحصل فى كل واحد منهما صورة ليست هى بالعدد التى هى فى الأخرى - رجع الكلام إلى أن للنفس بانفرادها صورة وقوى ما. فقد بان من هذا أن للنفس أفعالا خاصة وقبولا للصورة المعقولة لا تنقطع تلك الصورة فى الجسم فيكون جوهر النفس بانفراده محلا لتلك الصورة. ومما يوضح هذا أن الصورة المعقولة لو حلت جسما أو قوة فى جسم لكان تحتمل الانقسام وكان الأمر الوحدانى لا يعقل. وليس يلزم من هذا أن الأمر المركب يجب أن لا يعقل بما لا ينقسم وذلك لأن وحدة الموضوع لا تمنع كثرة

الصفحة : 30

المحمولات فيه لكن تكثر الموضوع يوجب أن يكثر المحمول. وأيضا المعنى المنقسم فى نفسه إذا حل جسما وعرض له الانقسام لا يخلو من أن تؤدى القسمة إلى الانفصال إلى تلك المعانى أو لا تؤدى. فان كان تؤدى تعرض منه محالات: من ذلك أن يكون بغير وضع القسمة موجبا لتغير وضع المعنى فيه ومن ذلك أن يحتمل المعنى الانقسام إلى مبادئ معقولة غير متناهية ومن ذلك أن يكون من حيث هو واحد غير معقول لأنه من حيث هو واحد غير منقسم. وأجزاء الحد ليس تكفى فيها الوحدة بالاجتماع بل وحدة إيجاب طبيعة واحدة و (17 ا) من حيث هو ذلك الواحد معقول ومن حيث هو ذلك الواحد غير منقسم. فمن حيث هو ذلك غير منقسم ومن حيث يكون فى الجسم منقسم. فاذا ليس من حيث هو معقول فى الجسم ألبتة ولأن الماهية المشتركة بين الأشخاص تتجرد عن الوضع وسائر اللواحق وإما أن تكون مجردة عن الوضع فى وجود الخارج أو فى وجود العقل أو فى كليهما أو لا فى واحد منهما. فان كان وجوده فى الوضع فى كليهما فإذن ليس يتجرد عن الوضع ألبتة أعنى الوضع الخاص. لكنا فرضنا أن له تجردا من حيث هو مشترك فيه عن الوضع الخاص. أو يكون لا فى واحد منهما - وهذا كذب لأنه ذو وضع فى الأعيان أو يكون ذا وضع فى العقل وليس ذا وضع فى الخارج - وهذا أيضا كذب. فبقى أن لا يكون له وضع فى المعقول وله وضع فى الخارج. فان تصور به الجسم فى المعقول كان له أيضا وضع فى المعقول - وهذا محال. وأيضا فإنه ليس لشئ من الأجسام قوة أن يطلب أو يفعل أمورا من غير نهاية. والمعقولات التى للعقل أن يعقل أيها شاء كالصورة العددية والشكل وغير ذلك بلا نهاية. فاذن هذه القوة ليست بجسم. لأن لكل جسم قوته الفعلية متناهية ليست أعنى الانفعالية فإن ذلك لا يمتنع. فقد بان لك أن مدرك المعقولات وهو النفس الإنسانية جوهر غير مخالط للمادة برئ عن الأجسام منفرد الذات بالقوام والعقل. وليكن هذا آخر ما نقوله فى الطبيعيات. والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وآله أجمعين!

الصفحة : 31

الإلهيات بسم الله الرحمن الرحيم فى موضوع الإلهيات الموجود قد يوصف بأنه واحد أو كثير وبأنه كلى أو جزئى وبأنه بالفعل أو بالقوة. وقد يوصف بأنه مساو لشئ ويوصف بأنه متحرك أو إنسان أو غير ذلك. لكنه لا يمكن أن يوصف بأنه مساو إلا إذا صار كما ولا يمكن أن يوصف بأنه متحرك أو ساكن أو إنسان إلا إذا صار جسما طبيعيا - فإذن ما لم يصر رياضيا لم يوصف بما يجرى مجرى أوسط هذه الصفات. وما لم يصر طبيعيا لم يوصف بما يجرى (17 ب) مجرى آخرها. لكن لا يحتاج فى أن يكون واحدا أو كثيرا إلى أن يصير رياضيا أو طبيعيا بل لأنه موجود عام هو صالح لأن يوصف بوحدة أو كثرة وما ذكر معها. فإذن الوحدة والكثرة من الأعراض الذاتية الموجودة للموجود التى تعرض له بما هو موجود. ولولا ذلك لكان الموجود الواحد لا يكون إلا رياضيا طبيعيا. فاذن للموجود بما هو موجود أعراض ذاتية. والفلسفة الأولى موضوعها الموجود بما هو موجود ومطلوبها الأعراض الذاتية للموجود بما هو موجود - مثل الوحدة والكثرة والعلية وغير ذلك. والموجود قد يكون موجودا على أنه جاعل شيئا من الأشياء بالفعل أمرا من الأمور بوجوده فى ذلك الشئ مثل البياض فى الثوب ومثل طبيعة النار فى النار وهذا بأن تكون ذاته حاصلة لذات أخرى بأنها ملاقية له بالأسر ومتقررة فيه لا كالوتد فى الحائط إذ له انفرد ذات متبرئ عنه. ومنه ما لا يكون هكذا. والذى يكون هكذا: منه ما يطرأ على الذات الأخرى بعد تقومها بالفعل بذاتها أو بما يقومها - وهذا يسمى عرضا. ومنه ما مقارنته لذات أخرى مقارنة مقوم بالفعل ويقال له صورة للمقارنين كليهما: محل وللأول منهما موضوع وللثانى هيولى ومادة. وكل ما ليس فى موضوع - سواء كان فى هيولى ومادة أو لم يكن فى هيولى ومادة - فيقال له: جوهر. والجواهر أربعة: جوهر مع أنه ليس فى موضوع ليس فى مادة وجوهر هو فى مادة. والقسم الأول ثلاثة أقسام: فإنه إما أن يكون هذا الجوهر مادة أو ذا مادة أو لا مادة ولا ذا مادة. والذى هو ذو مادة وليس فيها هو أن يكون منها. وكل شيء من المادة وليس بمادة فيحتاج إلى زيادة على المادة وهى الصورة فهذا الجوهر هو المركب. فالجواهر أربعة: ماهية بلا مادة ومادة

الصفحة : 32

بلا صورة وصورة فى مادة ومركب من مادة وصورة. الفصل الثانى فى أحكام الهيولى والصورة الاتصال الجسمى هو موجود فى مادة وذلك لأنه يقبل الانفصال. وقبول الانفصال فيه إما أن يكون لأنه اتصال (18 ا) والاتصال لا يقبل الانفصال الذى هو ضده لأنه يستحيل أن يكون فى ضد قوة قبول ضد لأن ما يقبل شيئا يقبله وهو موجود. فمن المحال أن يكون شيء غير موجود يقبل شيئا موجودا. والضد يعدم عند وجود الضد. والمقابل عند وجود المقابل. فقوة قبول الانفصال هو لشئ قابل للانفصال والاتصال. فإذن الاتصال الجسمانى فى مادة. وكذلك ما يتبع هذا الاتصال ويكون معه من القوى والصور. المادة الجسمانية لا تفارق هذه الصورة. لأنها إن فارقت فإما أن تكون ذات وضع أو لا تكون ذات وضع. فإن كانت ذات وضع وتنقسم فهى بعد جسم. وإن كانت ذات وضع ولا تنقسم حصل لذى الوضع الغير المنقسم انفراد قوام. وقد بينا استحالة هذا فى الطبيعيات. وإن لم يكن لها وضع وكانت مثلا مادة نار ما بعينه فاذا لبست صورة النارية لم يجب أن تحصل فى وضع بعينه ولكنها لا يمكن أن تحصل إلا فى وضع بعينه. وأما إذا كان مثلا ماء ثم استحالة هواء تعين لها ذلك الوضع لأنها إذا كانت ماء كانت هناك. فإذن إنما لبست صورة الهوائية أو النارية وهى ذات وضع. ولو كانت الهيولى تقتضى وجودا عاريا عن الوضع على نحو وجود المعقولات والصورة أيضا غير ذات وضع لنفسها لأنها معقولة من حيث هى الصورة - لكان المؤلف من معنيين معقولين. وكل جملة معقولين معقول غير ذى وضع. فاذن المادة الجسمانية يتعلق وجودها بسبب جعلها ذات وضع دائما فلا تتعرى إذن عن الصورة الجسمانية ولا عن صور وقوى غيرها. وكيف! وإذا وجدت جسما لم يخل إما أن يكون قابلا للتقطيع والتفريق أو غير قابل. فإن كان قابلا فإما بعسر أو بسهولة. وأيضا فإما أن يكون قابلا للنقل عن موضعه أو غير قابل. وجميع ذلك بصور وقوى غير الجسمية. الفصل الثالث فى إثبات القوى كل جسم ذى قوة يصدر عنه فعل دائما فى العادة المحسوسة فإما أن يكون ذلك الفعل يصدر

الصفحة : 33

عنه لجسميته (18 ب) أو لقوة فيه. أو بسبب من خارج. ولا يجوز أن تكون لجسميته لأن الأجسام لا تساوى فيما يصدر عنها وتتساوى فى جسميتها. وغن كان يصدر عنها دائما بسبب من خارج يستعمل بعض الأجسام فى شيء وبعضها فى شئ أو لأسباب يختص بعضها ببعض تلك الأجسام - فلا يخلو: إما أن يكون وقع ذلك اتفاقا أو لأن لتلك الأجسام خواص فى أنفسها بها تستحق أن تتوسط عن الواحد فى آثار مختلفة أو يختص بعضها ببعض الأسباب إن كانت كثيرة. والذى بالاتفاق ليس مما يستمر على الدوام والأكثر. وكلامنا فيما يستمر على الدوام والأكثر. وإذن إنما يختص بعضها بتوسط بعض الأمور بخاصية لها تصلح لتلك الأمور. والخاصية معنى فيها غير الجسمية. وتلك الخاصية هى المبدأ القريب من ذلك الأثر. فقد تأدت إلى القسم الثالث وهو أنها إنما تصدر عنها تلك الأفعال لمبادئ فيها غير الجسمية وهى القوى: فإن هذا معنى اسم القوى. ولأن كل جسم يختص كما قلنا بأين وكيف وسائر ذلك وبالجملة: بحركة وسكون - فذلك إذن له لأجل قوة هى مبدأ التحريك إلى تلك الحال. وهذا اسم الطبيعة. ولأن كل مبدأ حركة لا يخلو إما أن يتوجه بها نحو شيء محدود أو يتوجه نحو دور يحفظه أو يتوجه لا إلى غاية على الاستقامة. والمتوجه نحو شيء محدود إما بالطبع وإما بالإرادة وإما بالقسر. والقسر ينتهى إلى إرادة أو طبع. وكل منتهى إليه مطلوب. طبع المتحرك أو إرادته أو طبع القاسر أو إرادته وكل ذلك لشئ هو كمال لذلك المريد أو المطبوع وخروج إلى الفعل فى مقولة تصير عند حصولها واجد المعدوم: أما الطبيعى فكمال طبيعى وأما الإرادى فكمال إرادى مظنون أو بالحقيقة. وكل حركة محدودة فإنها إذا نسبت إلى مبدئها الأول كانت لكمال ما هو خير حقيقى أو مظنون وكذلك الحافظ. وأما القسم الثالث فمحال لأن الإرادة لا تتحرك إلا نحو غرض مفروض. والطبيعة لا تتحرك إلا إلى حالة محدودة وذلك (19 ا) لأنها إذا تحركت إلى أى كيف اتفق بعد أى كيف اتفق فما ليس متميزا عنده عن غيره لم يكن بأن يتحرك نحو كيفية أولى بأن لا يتحرك. فإذن كل حركة نحو غاية. العبث حركة نحو غاية للمحرك الإرادى القريب الذى ليس نحو غاية لمحرك فكرى بعيد. فإن الذى يعبث يتخيل غرضا للعبث فيشتاق إليه من حيث التخيل. وأما إذا قيل (للعبث) إنه (ليس لغرض) فمعناه إنه ليس لغرض عقلى. والعابث بيده محركه القريب هو محرك عضل اليد ويحرك إلى غاية ما تلك القوة عندما تقف وإلى غاية أخرى للتخيل المستعمل للشوق وليس لغاية

الصفحة : 34

عقلية. موجبات الأشواق التخيلية غير مضبوطة فى الأمور الجزئية ولا أيضا صحيحة الارتسام فى الذكر حتى إذا راجع التخيل التذكر صادف غرض ما فعله وداعيه إليه ثانيا. ومن أسباب تلك العادة: فإن المعتاد يشتهى إذا سنح للخيال أدنى متذكر من مناسب أو مقابل وبالجملة شيء ذى نسبة. وإذا كان العقل منصرفا عن ضبط ذلك إلى أمور أخرى حسية أو ذكرية واختلس التذكر فيما بين ذلك اختلاسات تعذر على الذهن مصادفة السبب فيه فكانت نسبته إياه إلى العبث أشد. فى أحكام العلل والمعلولات السبب هو كل ما يتعلق به وجود الشئ من غير أن يكون وجود ذلك الشئ داخلا فى وجوده أو متحققا به وجوده. فمنه سبب معد ومنه سبب موجب. فإذن كل سبب شرط. والشرط إما أن يكون موجبا أو غير موجب. والذى ليس بموجب فهو إما أن يكون قابلا للوجود أو لا يكون قابلا: فإن لم يكن قابلا للوجود ولم يكن جزء وشرط يوجب الوجود - فلا حاجة إليه بل كل سبب إما أن يكون جزءا مما هو سبب أو لا يكون. فإن كان جزءا فإما أن يكون جزء وجوده بانفراده يعطى الفعل لما هو جزء له أو يكون جزء وجوده بانفراده يعطيه القوة. والذى يعطيه القوة - أى يكون به الشئ بالقوة وفيه قوة الشئ - هو مادته وهيولاه. والآخر الموجب له فهو من الأسباب الموجبة ويسمى صورة. والذى ليس بجزء منه إما أن تكون سببيته لقوام ذلك الآخر (19 ب) بمباينة ذاته أو بمواصلة ذاته والذى هو بمواصلة ذاته يسمى موضوعا. والذى بمباينة ذاته إما أن يكون مفيد وجود ذلك المباين بأن يكون لأجله أو لا يكون. والذى هو متعلق به وجود المباين لأجله يسمى غاية والذى ليس لأجله فاعلا وكلاهما موجبان. فالأسباب إذن خمسة: مادة وموضوع وصورة وفاعل وغاية. لكن المادة والموضوع يشتركان فى أن كل واحد منهما فيه قوة وجود الشئ وإن افترقا فى أن أحدهما جزء والآخر ليس جزء فيجب أن يؤخذا كشئ واحد وهو الذى فيه الوجود. فتكون الأسباب إذن أربعة: (ما فيه) و (ما به) و (ما منه) و (ما له). فالسبب الفاعلى فيما يحدث ليس سببا للحادث من حيث هو حادث من كل جهة لأن الحادث له وجود بعد أن لم يكن. وكونه بعد ما لم يكن ليس بفعل فاعل إنما ذاك الوجود هو

الصفحة : 35

المتعلق بغيره ولكن له فى نفسه أنه لم يكن. فإذا كان الوجود متعلقا بالغير ويستحيل أن يكون وجود عن علة ليست فعل الوجود يكون مع الوجود على ترتيب يقتضى لا محالة - كما علمت - نهاية عند الأسباب الأول. الفصل الخامس فى الوجود وبيان انقسامه إلى الجوهر والعرض الوجود يقال بمعنى التشكيك على الذى وجوده لا فى موضوع ويقال على الذى وجوده فى موضوع. وقولنا: (موجود لا فى موضوع) قد يفهم منه معنيان: أن يكون وجود حاصل وذلك الوجود لا فى موضوع والآخر أن يكون معناه: الشئ الذى وجوده ليس فى موضوع. والفرق بين المعنيين أنك تدرى أن الإنسان هو الذى وجوده أن يكون لا فى موضوع ولست تدرى أنه لا محالة موجود لا فى موضوع: فانك قد تحكى بهذا الحكم على الشئ الذى يجوز أن يكون معدوما. وكون الشئ موجودا لا فى موضوع بالمعنى الأول من لازم الوجود للشئ الذى لا يدخل فى ماهية الشئ وهو مما قد تبحث عنه فإنه ليس هاهنا معنى إلا الوجود الذى ليس هو بنفسه ماهية لشئ من الموجودات التى عندنا - وقد زيد عليه أنه (ليس فى موضوع). فإذن بهذا المعنى (20 ا) لا يكون جنسا لشئ. وذلك لأنه إن كان شيء ماهيته أنه موجود ثم ذلك الوجود ليس فى موضوع فلا يتناول سائر الأشياء التى ليس وجودها ماهيتها من حيث ماهيته فلا يكون جنسا له ولغيره. - أما المعنى الثانى وهو الذى معناه شيء إنما له إذا وجد بهذا النحو من الوجود فهو مقولة الجوهر. ولا يمكنك إذا فهمت حقيقة الجوهر أن لا تحمل عليه ويمكنك أن لا تحمل المعنى الآخر عليه. وأما الوجود الذى يكون لأشياء فى موضوع فيفهم منه أيضا معنيان. وواضح من أحد المعنيين أنه ليس جنسا وإنما يشكك فى المعنى الثانى الذى بإزاء المفهوم للمعنى الآخر من الموجود لا فى الموضوع. فنقول: إن هذا المعنى ليس جنسا للأغراض لأنه ليس داخلا فى ماهيتها وإلا لكان تصورك للبياض بياضا يكون ليشتمل على تصورك أنه فى موضوع. وكذلك فى الكم. ولأن الوجود لما كان فى موضوع إما أن يكون مع وجود موضوعه بالطبع أو بعده ووجود ما ليس فى الموضوع لا يلزم أن يكون على وجود الشئ الذى فى الموضوع ولا بعده. والوجود لذلك قبله بالذات وبالحد. وهذه القبلية له من حيث الوجود وهو المعنى المشار إليه بأن فيه

الصفحة : 36

هاهنا شركة كتقدم الاثنين على الثلاثة فإذن ذلك ليس من حيث العددية بل من حيث الوجود فيكون متقدما فى المعنى المفهوم من الوجود ولا يكون متقدما فى المعنى المفهوم من العدد فلا يكون الوجود بينهما بالسوية. والموجودات التى فى موضوع: منها ما لها قرار فى الموضوع ومنها ما وجودها لا على سبيل الاستقرار وأولاهما بالوجود ما هو بمعنى الاستقرار. - ومن وجه آخر: بعض الموجودات فى موضوع للموضوع فى نفسه فقط وبعضها للموضوع بمعنى وجود غيره فقط وبعضها للموضوع فى نفسه بالنسبة إلى غيره لا أنه نفس وجود غيره بازائه. فأولاها بالوجود المتقرر فيه وأقلها استحقاقا للوجود من هذين: الذى لأجل وجود غيره والثالث متوسط: مثال الأول البياض مثال الثانى الأخوة مثال الثالث الابن. (20 ب) وأيضا أضعف المتقرر فى نفسه ما هو بسبب إضافة نفسه كالوضع وأضعف ما هو بسبب قياس إلى غيره ما هو إلى غير فى حكمه مثل ذلك: الأصغر والأكبر. وأضعف الثالث ما كان إلى غير قار ك (متى). وكل وجود للشئ فإما واجب وإما غير واجب. فالواجب هو الذى يكون له دائما. وكل ذلك إما له بذاته وإما له بغيره. كل ما يجب لذاته وجوده فيستحيل أن يكون وجوده يجب بغيره. وينعكس: كل ما يجب وجوده لا عن ذاته فإذا اعتبرت ماهيته بلا شرط لم يجب وجودها وإلا لكان لذاته واجب الوجود ولم يمتنع وجودها وإلا لكان ممتنع الوجود لذاته فلم يوجد ولا عن غيره. فإذن وجوده لذاته ممكن وبشرط لا علته ممتنع وبشرط علته واجب. ووجوده لا بشرط علته غير وجوده بشرط علته: فبأحدهما هو ممكن وبالآخر واجب. كل ما وجوده مع غيره من حيث الوجود لا من جهة الزمان فليس ذاته بذاته بلا شرط غيره واجبا. فإذن ذاته بذاته ممكن. كل ما هو جزء معنوى كأجزاء الحد أو قوامى كالمادة والصورة أو كمى كالعشرة وما هو ثلاثة أذرع مثلا فوجوده بشرط جزئه وجزؤه بشرط غيره فليس واجب وجود بذاته. كل ممكن الوجود بذاته لا يخلو فى وجوده: إما أن يكون عن ذاته أو عن غيره أو لا عن ذاته ولا عن غيره. وما ليس له وجود لا عن ذاته ولا عن غيره فليس له وجود. وليس لممكن الوجود بذاته وجود عن ذاته وإلا لوجب ذاته عن ذاته فإذن وجوده عن غيره. ووجوده عن

الصفحة : 37

غيره معنى غير وجوده فى نفسه لأن وجوده فى نفسه غير مضاف وعن غير مضاف. وإذا كان وجوده عن غيره ممكنا أيضا ولم يجب احتاج وجوده عن غيره فى أن يحصل إلى غيره - فيتسلسل إلى غير نهاية - وسنوضح بطلان هذا فى العلل. فإذن يجب أن يجب وجوده عن غيره فيتسلسل إليه فيكون حينئذ وجوده عن غيره واجبا حتى يوجد. فإذن الممكن لذاته ما لم يجب عن غيره لم يوجد. وإذا وجب عن غيره كان وجوده عن غيره واجبا عن ذلك الغير وواجبا له فيكون باعتبار نفسه ممكنا وباعتبار (21 ا) غيره واجبا. الكلى لا وجود له من حيث هو واحد مشترك فيه فى الأعيان وإلا لكانت الإنسانية الواحدة بعينها مقارنة للأضداد. والأضداد إنما يمتنع اقترانها لا لأجل وحدة الاعتبار بل لأجل وحدة الموضوع فإنه لو كانت الأضداد تجتمع لكان اعتبار الشئ مع أحدهما غير اعتباره مع الثانى: فكان لون من حيث هو أسود لم يجتمع معه من حيث هو أبيض بل افترقا برفع ذلك فاجتماعهما مستحيل لأنه ليس يجوز أن يكون الواحد موصوفا بهما لا بشئ آخر. وكيف يتصور حيوان بعينه هو ذو رجلين وغير ذى رجلين ووحدتان هما وحدة واحدة فى العدد فلا يكون واحدا بالذات! - فالكلى إنما هو واحد بحسب الحد. ووجود الحد فى النفس بأن يكون معنى معقول واحد بالعدد من حيث هو فى نفس له إضافات كثيرة إلى أمور كثيرة من خارج ليس هو أولى بأن يطابق بعضها دون بعض. ومعنى المطابقة أن يكون لو كان بعينه فى أى مادة كانت لكان ذلك الجزئى أو أى واحد منها سبق إلى الذهن قبل الآخر أثر هذا الأثر فى النفس. وهذه الطبيعة إذا وجدت فى الخارج ووجدت كثيرة فلا يخلو كل واحد من تلك الكثرة إذا وجد غير الآخر عن أن يكون لكونه تلك الكثرة أو لا لكونه تلك. فإن كان لأجل تلك الطبيعة كان يجب أن يكون كل واحد غير نفسه وكان يجب فى كل شخص الكثرة إذ كان إنما هو كثير لأنه إنسان. فإذن الكثرة تعرض له بسبب ولو كان من كل واحد منها أنه تلك الطبيعة وأنه هو معنى واحد أو يلزم أحدهما الآخر لما كانت تلك الطبيعة إلا هو بعينه. وهذا المعنى فى الجنس أظهر لأنه ليس يمكن أن يحصل المعنى الجنسى بالفعل إلا وقد صار نوعا. وإنما صار نوعا لزيادة اقترنت به ليس لذاته وتلك الزيادة شرط زائد وجودى أو عدمى. ومن شرط هذه الزيادة فى الجنس أن لا تكون داخلة فى ماهية العام الجنسى وإلا لكانت مشتركا بها بل يجب أن تكون زائدة عليها. نعم! قد يدخل فى تخصيص آنيته. واعلم أن الفصل (21 ب) لا يدخل

الصفحة : 38

فى ماهية طبيعة الجنس ويدخل فى آنية أحد الأنواع. قد صح أن كل منقسم بالمقدار أو بالقول أو بالمعنى فوجوده غير واجب بذاته وإن كان مكافئ الوجود للغير فوجوده غير واجب بذاته. فكل جسم وكل مادة جسم وكل صورة جسم فوجوده غير واجب بذاته فهو ممكن بذاته فيجب بغيره - وينتهى - كما قلنا - إلى مبدأ أول ليس بجسم ولا فى جسم وهو الواجب الوجود بذاته. ولا يجوز أن يكون معنى واجب الوجود مقولا على كثيرين فإنها إما أن تصير أغيارا بالفصول أو بغير الفصول. فان صارت أغيارا بالفصول لم يخل: إما أن تكون حقيقية وجوب الوجود تكون واجبة الوجود بذاتها من غير تلك الفصول أو لا تكون. فإن صارت واجبة الوجود بالفصول فالفصول داخلة فى ماهية المعنى الجنسى. وقد بينا استحالة هذا. وإن لم تكن داخلة فى تلك الماهية فيكون وجوب الوجود وجوب وجود لنفسه من غير هذه الفصول. ولو لم تكن فصولا لم يخل: إما أن يكون وجوب الوجود حاصلا أو لا يكون. وإن كان حاصلا وكثيرا فكثرتها بهذه الفصول ليس بهذه الفصول - هذا خلف. وإن كانت واحدة ثم انقسمت بهذه الفصول فتكون هذه الفصول عوارض تعرض لها فيكون انقسامها بالعوارض لا بالفصول وكان بالفصول - هذا خلف. وأما إن كان غيريتها بالعوارض لا بالفصول وقد قلنا إن كل واحد. مما هذا سبيله فهو هو بعينه لعلة - فكل واجب الوجود هو هو بعينه لعلة - وقد قلت: لا شيء من واجب الوجود بذاته وجوده بعلة. فواجب الوجود غير مقول على كثيرين وكونه واجب الوجود وكونه هذا لذاته. فإذن واجب الوجود بذاته هو واجب الوجود من جميع جهاته. ولأنه لا ينقسم بوجه من الوجوه فلا جزء له فلا جنس له. وإذ لا جنس له فلا فصل له. ولأن ماهية آنيته - أعنى الوجود - فلا ماهية يعرض لها الوجود فلا جنس له إذ لا مقول عليه وعلى غيره فى جواب ما هو شئ. وإذ لا جنس له ولا فصل فلا حد له. وإذ لا موضوع له فلا ضد له. وإذ لا نوع له فلا ند له. وإذ هو واجب الوجود من جميع جهاته (22 ا) فلا تغير له. وهو عالم لا لأنه مجتمع الماهيات بل لأنه مبدؤها وعنه يفيض وجودها. وهو معقول وجود الذات فانه مبدأ. وليس أنه معقول وجود الذات غير أن ذاته مجردة عن المواد ولواحقها التى لأجلها يكون الموجود حسيا لا عقليا. وهو قادر الذات لهذا بعينه لأنه مبدأ عالم بوجود الكل عنه. وتصور حقيقة الشئ - إذا لم

الصفحة : 39

يحتج فى وجود تلك الحقيقة إلى شيء غير نفس التصور - يكون العلم نفسه قدرة - وأما إذا كان نفس التصور غير موجب لم يكن العلم قدرة. وهناك فلا كثرة بل إنما توجد الأشياء عنه من جهة واحدة. فإذا كان كذلك فكونه عالما لنظام الكل الحسن المختار هو كونه قادرا بلا اثنينية ولا غيرية. وهذه الصفات له لأجل اعتبار ذاته مأخوذا مع إضافة. وأما ذاته فلا تتكثر - كما علمت - بالأحوال والصفات. ولا يمتنع أن تكون له كثرة إضافات وكثرة سلوب وأن يجعل له بحسب كل إضافة اسم محصل وبحسب كل سلب اسم محصل. فإذا قيل له: (قادر) فهو تلك الذات مأخوذة بإضافة صحة وجود الكل عنه الصحة التى بالإمكان العام لا بالإمكان الخاص. فكل ما يكون عنه يكون بلزوم عندما يكون لأن واجب الوجود بذاته واجب الوجود من جميع جهاته. - وإذا قيل: (واحد) يعنى به موجود لا نظير له أو موجود لا جزء له فهذه التسمية تقع عليه من حيث اعتبار السلب. - وإذا قيل: (حق) عنى أن وجوده لا يزول وأن وجوده هو على ما يعتقد فيه. - وإذا قيل: (حى) عنى أنه موجود لا يفسد وهو مع ذلك على الإضافة التى للعالم العاقل. - وإذا قيل: (خير محض) يعنى به أنه كامل الوجود برئ عن القوة والنقص: فإن شر كل شيء نقصه الخاص. ويقال له خير لأنه يؤتى كل شيء خيريته: فإنه ينفع بالذات والوصال ويضر بالعرض والانفصال أعنى بالمواصلة: وصول تأثيره وأعنى بالانفصال: احتباس تأثيره. وإذا كان كل مكمل مدرك يلتذ به المدرك وهذا هو اللذة: وهو إدراك الملائم والملائم هو الفاضل بالقياس إلى الشئ كالحلو عند الذوق والنور (22 ب) عند البصر والغلبة عند الغضب والرخاء عند الوهم والذكر عند الحفظ - وهذه كلها ناقصة الإدراك والنفس الناطقة فاضلة الإدراك ومدركات هذه نواقص الوجود - فإدراك النفس الناطقة للحق الأول الذى هو المكمل لكل وجود بل المبتدئ وهو الذى هو الخير المحض ألذ شئ. وإذا لم تلتذ أنفسنا بذلك أو التذت لذة يسيرة فذلك للشواغل البدنية التى هى كالأمراض ولبعد المناسبة لغرق النفس فى الطبيعة مثل المرضى الذين لا يلتذون بالحلو أو يتأذون وإذا زال العائق تمت اللذة بالحلو وظهر التألم بالمر. وهذا أيضا كالخدر الذى لا يحس بألم ولا لذة وكالذى به الجوع المسمى بوليموس فإنه جائع ولا يحس بألم الجوع. فإذا زال العائق يشتد به إحساسه. فكذلك فقد النفس الناطقة بملاحظة كماله من مؤلمات جوهره لأن فقد كل قوة فعلها الخاص بها من مؤلمات إذا كانت تدرك

الصفحة : 40

الفقد. لكن البدن هو الشاغل عن الإحساس بألم هذا الفقد أو بألم وجود مضاد للحق مثلما نحس من الألم بذوق مضاد للحلو. فإذا زال البدن اشتدت لذة الواجد وعظم ألم الفاقد اشتدادا لا يقاس إلى حال التذاذ بحلو أو تألم بمر. والسعادة هى الانقطاع بالجملة عن ملاحظة هذه الخسائس ووقف النظر على جلال الحق الأول ومطالعته مطالعة عقلية. والاطلاع على الكل من قبله ليكون صورة للكل متصورة فى النفس الناطقة يلحظها وهو يشاهد ذات الأحد الحق - من غير فتور ولا انقطاع - مشاهدة عقلية. والله ولى تسهيل سبيلنا إليه بتوفيقه.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

celoteh dan filsafat barat

skcism barat

fikih ibadah